أحمد الألفى يكتب: الضرائب العمياء!

أحمد الألفى

تُفرض الضرائب – وفقًا للأصول العلمية لعلم المالية العامة- عادة على الدخول  و/ أو على السلع و الخدمات و/ أو على الثروات ، وتسمى الضرائب التى تفرض على كل من الدخول و الثروات بالضرائب المباشرة direct tax.

بينما تسمى الضرائب التى تفرض على كل من السلع و الخدمات بالضرائب غير المباشرة indirect tax ، ومن عيوب الضرائب غير المباشرة بشكل عام أنها لا تراعى المقدرة التكليفية للممولين الذين يتحملون كافة أعبائها مضافة على ثمن السلعة أو الخدمة  بصرف النظر عن مستوى دخولهم الفردية ، لذلك يطلق عليها الضرائب العمياء لأنها لا تراعى مستويات الدخول الفردية  من جهة ، ومن جهة أخرى يؤدى فرضها إلى إرتفاع  فورى فى الأسعار و تغذية الموجات التضخمية فى الإقتصاد.

لذلك تعمق الضرائب غير المباشرة من الإختلالات فى كل من منظومة العدالة الضريبية والإجتماعية ، لأن العبء الضريبى بالكامل يقع على المستهلك ، بعكس الضرائب المباشرة  التى تفرض  مباشرة على الدخول و الثروات ، فهى تراعى العدالة الضريبية  نسبياّ لأنها تخضع لقاعدة عدلية مؤداها الدفع بقدر الربح  pay as you earn، ومن المسلم به أن الضرائب لاتفرض على الخسائر .

وتقضى التشريعات الضريبية فى بعض الدول الراقية و العادلة بفرض ضرائب سالبة ، وتعنى الضرائب السالبة منح إعانات نقدية لغير القادرين الذين لا يصل مستوى دخل كل منهم إلى  مستوى حد الإعفاء الضريبى المقرر قانوناّ بمقتضى القانون الضريبى السارى.

وتختلف الضرائب عن الرسوم إختلافاّ جوهرياّ ، فى أن الرسوم يتم فرضها على الخدمات الحكومية بغرض تنظيم إستخدام الخدمة و المساهمة الجزئية فى تكاليف  تقديمها  للمواطنين ، وليس لأغراض الجباية ، بعكس الضرائب التى تفرض جبراّ  بغرض تمويل النفقات العامة.

وتصريحات وزارة المالية عن إحلال ضريبة القيمة المضافة محل ضريبة المبيعات و التى ملأت الصحف ضجيجاً، وكالعادة تناولت هذه التصريحات ضريبة القيمة المضافة بالمديح ، فتارة يقولون أنها سوف تحد من عجز الموازنة العامة ومن تفاقم الدين العام ، وتارة أخرى يقولون أنها ستحقق كل من العدالة الضريبية والإجتماعية!! فضريبة القيمة المضافة VALUE ADDED TAX تفرض على القيمة المضافة أو على قيمة الإستهلاك الوسيط فى كل مرحلة من مراحل تداول السلعة وهى مراحل الإنتاج والتوزيع والإٍستهلاك، ومعادلة القيمة المضافة تساوى ثمن البيع مطروحاً منه تكلفة الشراء أو الإنتاج أو الإستيراد لكل سلعة أو خدمة.

ويترتب على ذلك أن ضريبة القيمة المضافة تعد ضريبة غير مباشرة ومركبة تفرض على الفرق بين قيمة تكلفة السلعة أو الخدمة وبين سعر بيعها وتضاف على قيمة سعر البيع ، لذلك تعد غير مباشرة  ويتحملها المستهلك النهائى بصرف النظر عن مستوى دخله ، كما تعد ضريبة مركبة لأنها تفرض على جميع مراحل تداول السلعة إنتاجاّ و توزيعاّ و إستهلاكاّ ، إنها حقاّ ضريبة  مركبة و عمياء لا تميز بين الغنى و الفقير، و تعمق من حدة الإختلالات الإقتصادية و الإجتماعية.

ولما كانت ضريبة القيمة المضافة ضريبة غير مباشرة تضاف على سعر السلعة أو الخدمة فإنها لا تخلو من آثار تضخمية لأنها سوف تؤدى إلى إرتفاع الأسعار من جهة ، ومن جهة أخرى لا علاقة لها بالعدالة الإجتماعية و لا الضريبية لأنها تفرض على سلع وليس على دخول ، لذلك تعمق من عدم العدالة الضريبية.

اللهم إلا إذا أعفت  جميع سلع الفقراء ومحدودى الدخل من الضريبة كلياً، وتهدف الدولة من فرض ضريبة القيمة المضافة إلى توسيع قاعدة المجتمع الضريبى وزيادة الحصيلة الضريبية لإصلاح مالية الدولة المنهارة  بدون بذل أى جهد منها لرفع كفاءة الإدارة الضريبية ، لكن ذلك لن يؤدى إلا إلى المزيد من الإختلال الضريبى و الإجتماعى ، لأن حال و وضع الإقتصاد المصرى لا يسمح حالياً بفرض ضرائب جديدة لأن الناس منهكة إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً ً، لذلك فإن المناخ العام  لم يكن مهيئأً لفرض أى ضرائب جديدة ، ومع هذا تم فرضها و لم تحقق سوى مزيد من الألم الضريبى للمواطن، فلا عجز الموازنة تحسن ، و لا العدالة الضريبية تحققت ، كما كانوا  يروجون.

وبرغم إنتشار ضريبة القيمة المضافة على المستوى العالمى حيث تفرضها دول عديدة ، حيث بدأت هذه الضريبة فى فرنسا فى بداية الخمسينات من القرن الماضى إلا أنها لازالت تحظى بمعارضة شديدة من المنظمات العمالية و الحقوقية لأنها تثقل كاهل المواطن وتعمق من مفهوم الظلم الضريبى لكونها ضريبة عمياء و غير مباشرة  لا تراعى المقدرة التكليفية للممول مثل سائر الضرائب المباشرة الأخرى.

ويتراوح سعر ضريبة القيمة المضافة على المستوى العالمى بين 10 و22.5% ، وعادة ما تعفى الصادرات من ضريبة القيمة المضافة لإعتبارات المنافسة فى الأسواق العالمية على كعكة التجارة  الدولية ، أما المواطن أو المستهلك المحلى فالمطلوب أن يتم فرمه وطحنه لتدعم الدول المستهلكين الأجانب فى الخارج على حساب المستهلك المحلى الذى يكفيه إستهلاك بواقى أو فضلات التصدير!

كما تخضع ضريبة القيمة المضافة عموماّ لمبدأ إقليمية الضريبة ، حيث تسرى داخل إقليم الدولة فقط، وبطبيعة الحال لا تخلو من الإزدواج الضريبى الصارخ لأنها تفرض على كل مراحل تداول السلعة الثلاثة من إنتاج وتوزيع وإستهلاك ويتحمل المستهلك النهائى عبئها الثلاثى ، و بعض الدول المحترمة تعفى الأجانب غير المقيمين منها و تقوم بردها لهم عند مغادرتهم لأراضيها فى المطارات و الموانى.

لذلك فإن المطلوب – فى رأي المتواضع- فرض ضريبة العدالة الإجتماعية وتسرى على الإستهلاك الترفى و الكمالى – وما أكثره  فى مصر – وعلى الدخول الطفيلية وما أكثرها أيضاً والعودة إلى الضرائب التصاعدية  التى تراعى العدالة الضريبية و الإجتماعية ، والأهم و الأخطر محاصرة التهرب الضريبى وفساد الإدارة الضريبية و تجريم عدم إصدار الفاتورة  بدلاّ من فرض هذه الضرائب العمياء ، فمثلًا هل يعقل أن تذهب إلى طبيب مشهور وتدفع كشف 500 جنيه فى عدة  دقائق و لا تحصل على أى إيصال بالمبلغ المدفوع ! ، وتكشف الملفات الضريبية أن هذا الطبيب وأمثاله يكسبون عدة آلاف يومياً و يدفع كل منهم ضرائب رمزية للغاية سنوياً ؟  فهذه جريمة تهرب ضريبى واضحة المعالم ومكتملة الأركان إشترك فيها كافة أطرف المعادلة الضريبية و بمساعدة القانون الضريبى المطبق .

فإذا نجحنا فى محاصرة التهرب الضريبى بنسبة 50% فقط ، لن نحتاج إلى فرض ضرائب جديدة و لا إلى قروض من أحد!

حكمة مازحة

لماذا تفرض الضرائب العمياء ؟؟

لتصحيح إبصار الممولين!!

CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، الكاتب والخبير المصرفى المصرى

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش