مقال| الأنظمة الرسمية .. والموازية!

أحمد الألفي

الاقتصاد الموازى و التعليم الموازى والإعلام الموازى أصبحت أنظمة حاكمة لمقدرات الإنسان فى الدول النامية، حيث تتفشى فى هذه الدول  ظاهرة وجود الأنظمة الموازية مقابل الأنظمة الرسمية ، فعلى سبيل المثال يوجد الإقتصاد الموازى أو غير الرسمى فى مواجهة الإقتصاد الرسمى، ويتمدد حجم الإقتصاد الموازى بشكل كبير جداّ  ويكاد يضاهى الإقتصاد الرسمى حجماّ وإستثماراّ  ومقدرة على خلق الوظائف، كما يوجد التعليم الموازى مقابل التعليم الرسمى ، فضلاّ عن وجود الإعلام الموازى المقابل  للإعلام الرسمى.

ويقصد بالاقتصاد الموازى أو غير الرسمى الإقتصاد الذى يمارس أنشطته بشكل غير رسمى بدون مستندات ولا أوراق رسمية ، فلا تراخيص و لا موافقات و لا بطاقة ضريبية و لا سجل تجارى و لا تأمينات إجتماعية ، و يسمى الإقتصاد غير الرسمى فى مصر  تهكماّ بإقتصاد بير السلم  ، ويختلف الإقتصاد  الموازى عن الإقتصاد الأسود فى أن الأول يمارس أنشطة مشروعة و لكن بدون مستندات رسمية ، بينما يمارس الثانى أنشطة غير مشروعة و بدون مستندات رسمية أيضاّ ، وقد يكون مستترا  وراء بعض المستندات الرسمية لإعتبارات التمويه ليس إلا.

ولا تخلو أى دولة من دول العالم من وجود الإقتصاد الموازى  بصرف النظر عن مدى تقدم أو تخلف إقتصادها ، و لكن توجد علاقة عكسية بين مدى تقدم الإقتصاد و حجم الإقتصاد الموازى ، فكلما كان الإقتصاد متقدماّ كلما إنخفض حجم الإقتصاد الموازى فيه ، والعكس صحيح تماما ، حيث يزداد حجم الإقتصاد الموازى فى الإقتصاديات المتخلفة مقارنة بالإقتصاديات المتقدمة ، ويرجع ذلك لعدة  أسباب أهمها الصعوبات الإدارية و الإجراءات المعقدة للحصول على كل من التراخيص و الموافقات  وتسجيل العقارات من حيث الوقت و الجهد و التكلفة ، مما يحول دون الحصول عليها من جهة ، ومن جهة أخرى يكون الفساد هو سيد الموقف ، ولا شك أن الفساد يزيد كثيراّ من تكلفة الحصول عليها ، لذلك يتسع حجم الإقتصاد الموازى فى الإقتصاديات المتخلفة مقارنة بالإقتصاديات المتقدمة.

و يكشف كتاب سر رأس المال للإقتصادى العالمى هيرناندو سوتو النقاب عن أهمية الإقتصاد الموازى أو غير الرسمى بالحقائق و الأرقام الموثقة ، والتى تتلخص فى النقاط التالية:-

1- حجم التهرب الضريبى فى الإقتصاد الرسمى أكبر من  حجم الإقتصاد غير الرسمى بالكامل.

2- قيمة الأصول غير المسجلة  رسمياّ فى البورصة  تعادل 30 ضعف قيمة الأصول المسجلة فى البورصة .

3- قيمة الأصول غير المسجلة أو الموازية فى مصر تعادل حوالى 55 ضعف قيمة إجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تدفقت إلى مصر منذ عام 1945 وحتى الآن أى فى حوالى 60سنة.

4- يوظف القطاع غير الرسمى حوالى 10 مليون عامل ، بينما يوظف القطاع الخاص الرسمى 8 مليون شخص، فى حين يوظف القطاع الحكومى حوالى 7 مليون شخص.

5- يوجد حوالى 5 ملايين عقار غير مسجل رسمياّ فى القطاع العقارى فى مصر.

وتكشف هذه الحقائق النقاب عن أهمية الإقتصاد غير الرسمى أو الموازى بصورة تحتم علينا تغيير نظرتنا لهذا الإقتصاد ، أو بالأحرى تغيير نظرة الدولة والإقتصاد الرسمى له، فلم يعد هذا القطاع عبئاً على الإقتصاد كما يدعى ملاك الإقتصاد الرسمى، وكما تدعى الحكومة أيضاً والتى تنظر إلى هذا القطاع بنظرة جبائية ضيقة جداً ، حيث ترى الحكومة هذا القطاع متهرب من سداد الضرائب والرسوم ليس إلا.

وبرغم ضخامة هذه الأرقام الخاصة بحجم الإقتصاد غير الرسمى مقارنة بكل من رأس المال الأجنبى المباشر و رأس المال الرسمى ، إلا أن هذا الإقتصاد غير الرسمى غير مستغل فى النشاط الإقتصادى بشكل كفء مقارنة بالإقتصاد الرسمى ، مما يجعل جانباً كبيراً من الأصول غير المسجلة معطلة عن الدوران الإقتصادى المنتج و الطبيعى فى شرايين و روافد الإقتصاد.

و تؤدى الملكية القانونية المنقوصة للأصول غير المسجلة ، ولاسيما الأصول العقارية ، إلى الحد من قدرة مالكيها فى مباشرة كافة حقوق الملكية الإنتقالية على هذه الأصول من تسجيل وبيع  ورهن وحق الحصول على الإئتمان ، وما إلى ذلك من حقوق ترفع من القيمة المالية لهذه الأصول وتسهل من عملية دورانها و دمجها فى الإقتصاد الرسمى.

وبرغم تكبيل الإقتصاد غير الرسمى فى مصر بهذه القيود ، إلا أن هذا القطاع لديه قدرة كبيرة جداً ومرونة فائقة على إمتصاص الصدمات الإقتصادية و المالية للدرجة التى تؤدى لإنقاذه للإقتصاد الرسمى المنظم من أعتى الأزمات المالية و الإقتصادية ، ولاشك أن القطاع غير الرسمى لديه قدرة كبيرة على خلق الوظائف ، حيث يوظف حوالى 10 مليون عامل بينما يوظف القطاع الخاص الرسمى 8مليون شخص، فى حين يوظف القطاع الحكومى حوالى 7 مليون شخص ، لذلك فقدرة هذا القطاع على خلق الوظائف تفوق  قدرة الإقتصاد  الرسمى – بخلاف الحكومة- لذلك فإن هذا القطاع جدير بالرعاية وليس الجباية.

ولا يخفى على أحد أن الإقتصاد غير الرسمى قد أنقذ الإقتصاد الرسمى وحافظ على إقتصاد مصر بعد ثورة 25 يناير لأنه إقتصاد أكثر ديناميكية من الإقتصاد الرسمى الذى يغوص كثيراً فى النظريات الأكاديمية ، ومن ثم  فإن ترسيم الإقتصاد غير الرسمى قد بات ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل ، لأن ضم هذ القطاع تدريجياً للإقتصاد الرسمى كفيل بزيادة معدلات النمو والإستثمار والتوظيف بطريقة تلقائية وسريعة ودون الحاجة  إلى ضخ أى إستثمارات جديدة ، و يتعين علينا أن نسرع فى ذلك بعيداً عن محاولات الجباية و فرص الضرائب على هذا القطاع  ، فذلك لن يجدى ، والأجدى تبسيط الإجراءات وتيسيرها و منحه الحوافز و الثقة أولاّ ثم جنى العوائد و الجباية ثانياّ.

كما أن إستهداف الإقتصاد غير الرسمى بسياسات الشمول المالى و التضييق عليه بالسياسات الجبائية لن يجدى كثيراّ ، لأن هذا الإقتصاد لديه حساسية  و ريبة كبيرة  جدا تجاه كل ما هو رسمى و حكومى ، و لا يعنيه إيقاف التعامل بالشيكات الحكومية لأنه لا يتعامل مع الحكومة أصلاّ.

ولا يقتصر الأمر على  الإقتصاد الموازى ، بل إمتد إلى  مجال التعليم ، فالتعليم الموازى بات يفرض نفسه بقوة على نظام التعليم الرسمى بشكل يجعل من مجانية التعليم مجرد حبر باهت على ورق ممزق ، و تتبلور صور التعليم الموازى فى تفشى ظاهرة الدروس الخصوصية ، و إنتشار المراكز التعليمية المقننة وغير المقننة للدروس الخصوصية و المدارس الخاصة و المدارس الدولية سواء الإنجليزية أو الأمريكية أو اليابانية.

وإمتد التعليم الموازى إلى المرحلة الجامعية أيضاّ ، و إنتشرت الجامعات الخاصة الباهظة المصروفات و التى تقبل الطلاب بمجموع أقل بنسبة 5% من الجامعات الحكومية لتقضى على مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين الأغنياء و الفقراء .

وإمتد نطاق الأنظمة الموازية إلى مجال الإعلام برغم وجود الإعلام الحكومى و الإعلام الخاص ، و يتجلى الإعلام الموازى فى شبكة الانترنت ، حيث هجر الجمهور الإعلام الرسمى و الخاص لعدم مصداقيته و إتجه إلى الفضاء الإلكترونى الذى ربما يكون أكثر مصداقية من الإعلامين الرسمى و الخاص ، وبرغم خطورة الإعلام الموازى الغير محكوم بأية ضوابط و لا معايير، إلا إنه قد بات الأكثر تأثيراّ على الصعيدين المحلى و العالمى.

و على الصعيد العالمى ، لا يخفى على أحد أن تحيز الإعلام الأمريكى الصارخ لهيلارى كلينتون فى إنتخابات الرئاسة الأمريكية كان من أهم أسباب سقوطها فى هذه الإنتخابات لقيام العديد من الأمريكيين بالتصويت الإنتقامى ضدها و لصالح دونالد ترامب !!

و إقتحمت الأنظمة الموازية أيضاّ مجال الصحة ، و أصبح العلاج الخاص فى المستشفيات الخاصة هو العلاج الأكثر فاعلية برغم الممارسات غير الإنسانية لبعض المستشفيات الخاصة.

ولا شك أن الإنتشار المتزايد للأنظمة الموازية  فى  كل من الإقتصاد و التعليم و الإعلام و الصحة قد بات يهدد السلام الإجتماعى و ينذر بإنهيار ما تبقى من منظومة القيم الإجتماعية و الأخلاقية  للمجتمع ، فلا يمكن أن تخصع صحة الإنسان و تعليمه  لمبدأ تعظيم الربح  الحاكم لإقتصاد السوق.

و أخيراّ  يجب عدم تسليع خدمات الصحة و التعليم و الإعلام .. فهى أشياء لا تباع و لا تشترى !!

حكمة مازحة

متى تولد الأنظمة الموازية ؟؟

عندما تصاب الأنظمة الرسمية بالترهل !!

CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفي، كاتب وخبير مصرفي

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش