مقال| صيدليات السلاسل والدكتور المحتكر !

أحمد الألفى

انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة إحتكارية مخيفة فى مجال توزيع و تجارة الأدوية ، حيث توجد عشرات الصيدليات فى المدينة الواحدة و ربما فى الحى الواحد تحمل إسم صيدليات الدكتور الفلانى، وأخرى تحمل إسم صيدليات الدكتور العلانى، وذلك على غرار محلات السلاسل التى تنتشر فى  كل مكان ، لذلك فإن صيدليات الدكتور محتكر هذا و ذاك أصبحت بمثابة صيدلى واحد يمتلك عدة أو سلسلة صيدليات تتحكم فى توزيع  وتجارة الدواء بشكل سافر وعلنى.

وفى حدود معلوماتى عن نشاط الصيدليات ، فإن القانون يلزم الصيدلية بأن  تتواجدة جغرافياً  بمسافة لا تقل عن مائة متر عن أى صيدلية أخرى لتحصل على التراخيص اللازمة الممارسة النشاط، أى أن القانون يراعى التوزيع  الجغرافي  جيداّ لضمان عدم تركز الصيدليات فى عدة شوارع أو فى عدة أحياء ليكون الدواء متوفراً ومتاحاُ لجميع المرضى من جهة، ومن جهة أخرى يحظر على الصيدلى الواحد إمتلاك أكثر من صيدليتين لتفادى ظهور إحتكار القلة فى مجال توزيع وتجارة الأدوية.

ولكن كيف إستطاع الدكتور محتكر وشركاه إمتلاك صيدليات السلاسل وإدارتها ، فهل تم هذا بإختراق القانون ؟؟ وهل إمتدت نظرية الكحول من نشاط المبانى والمقاولات إلى مجال توزيع وتجارة الأدوية والتلاعب بصحة المواطن ؟؟ وهل و ألف هل تطرح نفسها بقوة  فى هذا السياق؟؟

لا أعتقد أن نظرية الكحول قد تصلح لمجال إحتكار إمتلاك صيدليات السلاسل لأن الكحول هنا متخفى  و غير ظاهر ،  فالوضع  مقلوب بعكس نظام الكحول فى المبانى المخالفة ، حيث يستخدم الدكتور محتكر إسمه بشكل سافر و واضح على جميع الصدليات التى يملكها ، ومن ثم فلا حاجة للدكتور محتكر للإستعانة بأى “كحول” ليكون واجهة له تجاه الغير بينما المالك الأصلى مستتر.

فالدكتور محتكر يعلن إسمه على كل من صيدليات السلاسل التى يملكها ويديرها ، لذلك فإن نظرية الكحول  مستبعدة  تماماً فى مجال إحتكار تجارة و توزيع الدواء ، فربما يكون عقد الإمتياز التجارى FRANCHISE  مستخدماً فى صيدليات الدكتور محتكر، بحيث يسمح لأى صيدلية صغيرة بأن تستخدم إسم و إمكانيات الدكتور محتكر المالية مقابل الحصول على نسبة من الأرباح ، وهنا قد تكون الصيدلية الصغيرة بمثابة الكحول وراء إسم صيدليات الدكتور محتكر الكبير والمدوى ، إنها نظرية الكحول العكسي – إن جاز التعبير – ، و لكن بعد البحث و التحرى تبين أن صيدليات السلاسل هذه تحصل على الموافقات والتراخيص الخاصة بها من هيئة الاستثمار وتتخذ شكل الشركة ككيان قانوني لها.

وبالتالى تستطيع أن تتفادى جميع  الإجراءات المنظمة لترخيص الصيدليات التى يخصع لها الصيدلى الفرد ، وبالقانون !!، مما أدى إلى مطالبة نقابة الصيادلة للدولة للتدخل لوقف تغول صيدليات السلاسل على نشاط تجارة الدواء وعلى الصيدليات الصغيرة.

ومن المعلوم أن صناعة الدواء تعد من الصناعات التى يمارس فيها الإحتكار إنتاجاّ و توزيعاّ و إستيراداّ بشكل بشع ، فإنتاج الدواء يخضع لإحتكار القلة ، وإستيراد الدواء لا يخلو من الإحتكار أيضاّ للدرجة التى جعلت محتكراّ واحدأ يحتكر إستيراد مستحضر البنسبين فى مصر، وبعد سنوات من هذا الإحتكار، ألقت السلطات القبض عليه مؤخرًا ، و بمجرد القبض عليه حدثت إنفراجة فى سوق البنسلين !!.

ولا يخفى على أحد وجود السوق الموازية لتجارة الأدوية والتى تدار بواسطة بعض التجار المندسين على مهنة الصيدلة ، و تسمى هذه التجارة  بلغة السوق  بالمخزن ، حيث يقوم التاجر بشراء كميات كبيرة من الأدوية من الشركات المنتجة نقداّ و يحصل على كل من خصم الكمية و الخصم النقدى ، ثم يقوم بالتوزيع على الصيدليات بأسعار أقل من أسعار الشركات المنتجة !! وهكذا يتاجر الكل باّلام المرضى من أجل تعظيم أرباحه.

وبعيداً عن مشروع إحتكار تجارة  و توزيع الدواء المتمثل فى صيدليات الدكتور محتكر و أمثاله ، نجد بعض الصيدليات تمارس أنشطة تجارية و خدمية بحتة ليس لها أى علاقة بتجارة الدواء وتتعارض بذلك مع شعار الصيدلى مش بياع ، فبعض الصيدليات قد إقتحمت عالم التليفون المحمول حيث تقوم ببيع كروت الشحن ، وتوفر خدمة فورى لسداد الفواتير و ذلك على نحو ينال من مهنة الصيدلة و إحترامها!

ولاشك أن صناعة الدواء من الصناعات الإستراتيجية التى أهملتها الدولة فى زمن الفساد و الخصخصة، حيث أًصبحت الغلبة فى هذه الصناعة المهمة و الإستراتيجية فى يد القطاع الخاص المصرى والشركات الأجنبية ، وتراجعت حصة شركات القطاع العام فى صناعة الدواء تراجعاً كبيراً.

وبرغم أن قطاع صناعة الدواء يحقق أرباحا إحتكارية تضمن له التوسع المستمر والفوائض المالية الكبيرة ، إلا أن الدولة مشكورة قد اكتفت بتسعير الدواء ولم تتركه للعرض والطلب كما تركت المواطن المصرى فريسة للمستشفيات الخاصة تفعل به ما تشاء وتحجز الجثة و ترهنها رهناّ حيازياّ – بدون دفن- كضمان لحين سداد فاتورة العلاج الذى فشل فى إنقاذه ، بيد أن الدولة قد إكتفت أيضاّ بإنتاج الأدوية المخصصة للتأمين الصحى الحكومى القليلة  المفعول ، حيث تنتج مثلاً فيتامين ب بفاعلية لا تكفى لصيانة الجهاز العصبى لعصفور أو كتكوت حديث الولادة !! حتى يزهق المنتفع من التأمين الصحى و لا يعود و يلجأ للعلاج الخاص و يكتوى بناره !!

وأخيراً يجب  إيقاف هذه الموجة الإحتكارية  فى مجال توزيع  و تجارة الدواء ، كما يجب أن تتوقف الطبقية فى مجال العلاج و الأدوية ، لأن الدواء ليس رفاهية ، بل يحتاجه المريض مضطراً ويشتريه صاغراً  بأى ثمن ( لأن الطلب على الدواء غير مرن و يكاد يكون عديم المرونة السعرية )، وربما يكون الموت فى أحيان كثيرة  أقل  تكلفة من التدواى بأدوية الدكتور محتكر و شركاه الذى لا تكفيه أرباح تجارة  الدواء التى تبلغ فى المتوسط 40%، بل يريد أرباحاً إحتكارية ليزيد من إمبراطوريته فى صيدليات السلاسل المترامية الأطراف على حساب صحة المواطن و ميزانيته المحترقة بلهيب الأسعار.

حكمة مازحة

لماذا يحتكر البعض الدواء ؟؟

لأنه تجارة الألم الرائجة !!

CNA– مقال بقلم،، أحمد الألفى، كاتب وخبير مصرفى له عدد من المؤلفات الاقتصادية

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش