صفحة جديدة بين “الضرائب” ومجتمع الأعمال
لم تعد الحلول الجذرية الصعبة اختيارًا تستطيع الحكومة الحياد عنه، أو استبداله بحلول مؤقّتة أو إجراءات تجميلية سرعان ما ينكشف عوارها، بل أصبحت منهجًا رئيسيًا أمام صانع القرار في الفترة الراهنة وخلال المرحلة المقبلة، لاسيما في إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي لا تحتمل ترقيعًا أو تأجيلًا لإجراءات مواجهة التحديات، وتعزيزًا لقدرة الدولة على تحقيق مستهدفاتها في النمو الاقتصادي القوي والمستدام.
وفي الوقت الذي تضع فيه الحكومة مستهدفات غير مسبوقة للحصيلة الضريبية تربو على 412 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري مقابل 311 مليار جنيه في العام المالي الماضي، فقد كان لزامًا عليها تنفيذ إصلاحات جذرية لحل مشكلات النظام الضريبي خاصة فيما يتعلق بالتقديرات الجزافية، ووصول غرامات المتأخرات الضريبية لأرقام تزيد على أصل الضريبة، إلى جانب الحاجة الكبيرة لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال ضم الاقتصاد غير الرسمي، وغيرها من المشكلات والمطالب التي ظلت لسنوات تؤرق مجتمع الأعمال وتقف حجر عثرة أمام الاستثمار.
ولم تتأخر الحكومة الجديدة في اقتحام الملف الصعب والمعقد، حيث أعلن وزير المالية عن خطة متكاملة وتيسيرات ترتكز على 11 محور رئيسي سيتم من خلالها مواجهة مشكلات النظام الضريبي الحالي، وتطبيق إجراءات وتيسيرات ضريبية من شأنها تعزيز ثقة مجتمع الأعمال في الحكومة، وتعزيز قدرتهم على المزيد من الاستثمار وزيادة حجم الأعمال.
محاور إصلاح النظام الضريبي
أما محاور إصلاح النظام الضريبي التي أعلن عنها وزير المالية فتتمثل في استمرار جلسات الاستماع الضريبي لمجتمع الأعمال بكافة طوائفه، وذلك من أجل الوقوف على أية مشكلات يمكن أن تكون سببًا في تكبيل قدرة الدولة عل تحقيق مستهدفاتها وتكبيل الممول عن تحقيق حجم الأعمال المأمول.
كذلك تحديد الإجراءات والقواعد التنفيذية بشكل حاسم، حتى لا يتم ترك الأمور للتقديرات الشخصية بالمناطق والمأموريات الضريبية، وهذا يساهم بشكل قوي في حل التقديرات الجزافية.
أما المحور الثالث فيتمثل في توسيع القاعدة الضريبية، وهو محور يشمل أيضًا تحفيز دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي من خلال حزمة من التسهيلات والتي لن تنظر فيها الحكومة إلى الأعمال السابقة للممول، بل سيتم النظر إلى مستقبل هذه الأعمال.
ويضاف إلى ذلك إطلاق نظام ضريبي مبسط ومتكامل لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوي 15 مليون جنيه من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال و”الفرى لانسرز” والمهنيين.
بالإضافة إلى تبسيط الإقرارات الضريبي، والتوسع فى نظام الفحص بالعينة ليشمل كل المراكز الضريبية، كذلك الاعتماد فى الفحص الضريبي على العمل بنظام إدارة المخاطر لكل الممولين بجميع المأموريات والمناطق للتيسير على المجتمع الضريبي.
كذلك حل مشكلة مقابل التأخير الذي كان يصل إلى أضعاف قيمة أصل الضريبة.. ووضع حد أقصى لا يتجاوز بأي حال أصل الضريبة، إلي جانب العمل على سرعة الانتهاء من المنازعات والملفات الضريبية المتراكمة لدفع حركة النشاط الاقتصادي، ورفع حد الإعفاء من “تقديم دراسة تسعير المعاملات” للشركات الدولية إلى 30 مليون جنيه.
وضمن المحاور الرئيسية، إطلاق آلية تسوية مركزية جديدة للمستثمرين، وتبسيط نظام رد ضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى ضمان التدرج في التعامل القانوني في حالة عدم تقديم الإقرار الضريبي وربطه بحجم الأعمال السنوي لصالح الممولين.
ومن بين الإجراءات المهمة التي يشملها البرنامج الإصلاحي الجديد للضرائب، التعامل بجدية والاستثمار القوي في رفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب وتحسين أوضاعهم بشكل يتناسب مع الأعباء والمسئوليات المطلوبة منهم، وكذلك وضع نظام عصري ومتكامل لتقييم العاملين وفقًا لمعدلات الأداء وجودة الخدمات المقدمة للممولين.
ترحيب مجتمع الأعمال
وتعليقًا على التيسيرات الضريبية الجديدة وتأثيراتها على مجتمع الأعمال، قال إبراهيم إمبابي، عضو اتحاد الصناعات، إن ما تقوم به وزارة المالية حاليًا من تيسير الإجراءات الضريبية والتواصل مع مجتمع الأعمال يعد خطوة هامة لتعزيز الثقة بين الممولين والحكومة، لافتًا إلى أن وزير المالية اجتمع مع أعضاء اتحاد الصناعات وتم عرض جميع المعوقات والطلبات عليه، وما أعلنه يمثل استجابة قوية لمتطلبات الاتحاد.
ولفت “إمبابي”، في تصريحات لـ”روزاليوسف” إلى أن الحديث عن تأهيل الموظفين ليكونوا قادرين على التواصل مع مجتمع الأعمال بالشكل الأمثل، وكذا حل مشكلة التقديرات الجزافية من خلال تدشين نظام متكامل في الفترة المقبلة، وكذلك حل مشكلة المغالاة في الفوائد والغرامات المحتسبة على المستحقات الضريبية المتأخرة، كل ذلك يشير إلى إرادة حقيقة من جانب وزير المالية والحكومة لحل أهم مشكلات الاقتصاد، وهي المشكلات الضريبية التي تعيق الاستثمار وتحد من نمو الأعمال.
من جانبه قال على حمزة، نائب رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين، إن ما أعلن عنه وزير المالية يعد ترجمة حقيقة لمتطلبات المستثمرين وأصحاب الأعمال، لافتًا إلى أن الحكومة حاليًا تقوم بجهود كبيرة من أجل جذب الاستثمار من أجل دفع معدلات النمو الاقتصادي، مؤكدًا أن الاصلاح الضريبي سيكون حافز كبير على التوسع في الاستثمار.
وطالب “حمزة” بضرورة ضم اتحاد المستثمرين للجهات التي ستشهد مناقشات وحوار مع وزارة المالية بشأن الضرائب خلال الفترة المقبلة، قائلًا إن هناك بعض المحافظات، لاسيما محافظات الصعيد لديها مشكلات في توفر مأموريات الضرائب، لاسيما مأمورية كبار الممولين التي تخدم محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج والتي توجد فقط في الغردقة، وكذلك مأمورية الاستثمارات الكبرى أيضًا توجد في الأقصر.
كما طالب “حمزة” بضرورة نشر المأموريات الضريبية في المحافظات المختلفة للتيسير على الممولين بصفة عامة والمستثمرين والمصنعين بصفة خاصة.
أسباب حزمة الإصلاحات الضريبية
وأكد د.مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن حزمة التسهيلات الضريبية جاءت تلبيةً لطلبات القطاع الخاص في هذا الشأن، حيث كان هناك العديد من الشكاوى بشأن ما يقال عنه “سوء تطبيق الضرائب”، أو “التقدير الجزافي”، إضافة لما قيل عن وجود مُتأخرات مُتراكمة، وأن كل ذلك يعيق مسار التنمية والاستثمار من القطاع الخاص.
ولفت إلى أنه سيكون شرح أكثر تفصيلاً خلال الفترة المُقبلة لجميع الخطوات التي سيتم اتخاذها، فبعض هذه الخطوات ستحتاج إلى إجراء تعديلات تشريعية، إلا أن أغلبها سيكون في صورة قرارات يتم إصدارها من خلال مجلس الوزراء، أو من خلال وزير المالية.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بالنسبة لأي إقرار ضريبي سيُقدم من أي ممول أو مستثمر؛ سيكون هناك تبسيط في الإقرار نفسه، كما سيكون حجم المعلومات المطلوبة أقل من السابق بكثير، مضيفاً أن الحد الأقصى لغرامات تأخر عملية الفحص، لن يتجاوز اصل الرقم الضريبي الذي تم الحديث عنه.
كما سيتم توحيد المعاملة بين كل المأموريات الضريبية لمنع أية اختلالات في المُعاملة الضريبية بين مكان وآخر، وسيتم تطبيق فكرة نظام المقاصة المركزي، وهي شديدة الأهمية، ليتم تسوية أية التزامات على الممول أو رد أعباء التصدير، أو الأعباء الضريبية له، طبقاً لاختياره.
وفيما يخص موضوع رد ضريبة القيمة المضافة، والذي يتطلب حالياً وقتاً كبيراً سيشهد تيسيرات واختصاراً للوقت، كما أنه فيما يخص حل النزاعات الضريبية، سيتم تحديد سنة مُعينة، وأخذ رقم مقطوع عن التعاملات قبل هذه السنة، لإغلاق الملفات القديمة وفتح صفحة جديدة مع مجتمع الأعمال.
CNA– مقال بقلم،، أحمد زغلول، الصحفي الاقتصادي (نقلًا عن مجلة روزاليوسف)