أحمد الألفى يكتب : تعويم الجنيه و زلزال 3 نوفمبر

elalfy-300x200
أحمد الألفى

ماحدث  يوم الخميس الماضى (3 نوفمبر) ، يعد  رسمياّ أكبر تخفيض للقيمة الخارجية للجنية المصرى فى تاريخه و بنسبة  أكبر من 50%،وهذا التخفيض يعد تعويماّ مداراّ، مع ترك هامش  للبنوك للحرية  فى تحديد أسعار الصرف  ، والتى تختلف من بنك لاّخر، و لا يعد تعويم كامل للجنيه – كما يسمى فى الصحافة و وسائل الاعلام  –  لأن التعويم floating rate بالمعنى العلمى له ، يعنى ترك سعر العملة يتحدد فى السوق طبقاّ للعرض و الطلب و بدون أى تدخل  ادارى مركزى مباشر من السلطات النقدية فى تحديد السعر.

فضلاّ عن أن  سياسة التعويم  لا تطبق الا على العملات الحرة القابلة للتحويل مثل الدولار الامريكى و اليورو و الين اليابانى و الريال السعودى، ومن ثم لا تصلح للتطبيق على العملات الضعيفة الغير قابلة للتحويل كالجنية المصرى لأن العملات الضعيفة تعكس أمراض  الاقتصاد و اختلالاته ، كما يتطلب تعويم العملة  المحلية توفر احتياطيات نقدية كبيرة  من العملات الاجنبية لدى السلطات النقدية، وتوفر سيولة كافية من النقد الاجنبى  بسوق الصرف .

و تهدف السلطات النقدية  من هذا التخفيض الدرامى  لقيمة الجنية الى توحيد أسعار صرف العملات الاجنبية والقضاء على السوق السوداء – أو  تأدباّ  السوق  الموازية – و ذلك بنقل تجارة العملات الاجنبية من السوق السوداء الى الجهاز المصرفى من جهة ، ومن جهة أخرى تستوفى شرط  صندوق الدولى للحصول على قرض بمبلغ 12 مليار دولار ، و الحصول على شهادة ثقة دولية فى الاقتصاد المصرى تسهم فى  عودة تدفق الاستثمار الاجنبى المباشر   FDI الى مصر .

ولقد تزامن مع هذا التخفيض الدراماتيكى فى قيمة الجنية المصرى ، اتخاذ السلطات النقدية  لعدة قرارات   تعويضية و احترازية لحماية الجنية المصرى ، من أهمها رفع سعر الاقراض و الخصم بواقع 300 نقطة ( أى بمعدل 3% )، و اصدار شهادات ادخارية بسعر  فائدة 16% و 20% ، و ذلك لامتصاص جانب من الاّثار السلبية لتخفيض قيمة الجنية على تاّكل المدخرات بالجنية المصرى و التى فقدت فعلياّ 50%من قيمتها الحقيقية ’ فضلاّ عن معدلات التضخم المرتفعة حالياّ و التى ستكون أكثر ارتفاعاّ مسقبلاّ تأثرأ بتهاوى قيمة الجنية المصرى، و فى منتصف ليل 3-11-2016 ، وتحديداّ فى الساعة صفر ارتفععت اسعار المحروقات بنسبة 48% تأثراّ بهذا التخفيض الدراماتيكى فى قيمة الجنية المصرى.

و سيؤثر هذا التخفيض الدرامى  لقيمة الجنية المصرى على تخفيض حسابى لقيمة الدين العام الداخلى  مقوماّ بالدولار الأمريكى ، بينما سيؤدى الى تضخيم فعلى لقيمة الدين العام الخارجى مقوماّ بالجنية المصرى ، مما سيزيد من  الضغوط على الموازنة العامة بالمقابل المحلى لأعباء خدمة الدين من جهة ، ومن جهة أخرى ، سترتفع تكلفة أعباء خدمة الدين المحلى  تأثراّ بارتفاع تكلفة الاقتراض فى أعقاب رفع سعر الفائدة بمعدل 3%.

و بداية لا يمكن مناقشة قضية  أزمة سوق الصرف بمعزل عن الأداء الاقتصادى و المالى للدولة برمته ، و تحديداّ أداء كل من السياسة المالية و الاقتصادية للدولة ، لأن نجاح  أداء السياسة النقدية يتوقف  بشكل قاطع على أداء السياستين السالفتين الذكر ، حيث تنتج السياسة المالية عجز الموازنة و حجم الدين العام ، بينما تنتج السياسة  الاقتصادية حجم العجز فى الميزان التجارى وهو المصدر الأولى لأزمات سعر الصرف.

و يكون أمام أى دولة تواجه نقص حاد  فى العملات الاجنبية  وعدم استقرار فى سوق الصرف الأجنبى سياستين بديليتين  الأولى تتبنى الاتجاهات النيو ليبرالية أو الليبرالية الجديدة ، و الثانية تتبنى الاتجاهات الحمائية و الانكماشية ، وهما :-

1- السياسة الأولى ( سياسة تخفيض قيمة العملة الوطنية أو التعويم المدار)

تقدم أى دولة على تخفيض قيمة عملتها الوطنية  بهدف جذب استثمارات أجنبية  مباشرة وتنشيط السياحة  الوافدة اليها  و زيادة صادراتها ، و الحد من واردتها  أملاّ فى زيادة مواردها من النقد الاجنبى و ضبط سوق الصرف  الاجنبى و اعادة التوازن اليه تلقائياّ ، و تساهم هذه العوامل  مجتمعة – ولا سيما الاستثمارات الاجنبية المباشرة – في زيادة  معدل نمو الناتج القومى و خلق فرص عمل جديدة ، وفى تخفيف الضغوط على سوق الصرف.

و لكن تنطوى سياسة تخفض قيمة العملة  الوطنية على  عدة اّثار سلبية على الاقتصاد أيضاّ  تتمثل فى تآكل  قيمة العملة الوطنية و ضعف قوتها الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم بنسب كبيرة  و ارتفاع المستوى العام للاسعار ، و سالبية أسعار الفائدة  و تراجع معدل الادخار القومى ، وزيادة  قيمة الدين العام و اعباء خدمته ، فضلاّ عن التوترات الاجتماعية  المصاحبة لارتفاع الأسعار و الاضرار بأصحاب الدخول الثابتة و الفقراء و هم غالبية المجتمع و قوامه .

ويتوقف نجاح سياسة تخفض قيمة العملة على مدى توازن و مرونة الهيكل الاقتصادى للدولة و تنافسية اقتصادها فى الأسواق العالمية، لذلك لم تنجح سياسة تخفيض  قيمة الجنية  الذى خضع لعدة تخفيضات أخرها و أكبرها فى مارس 2016 ولم تسفر عن استقرار أسواق الصرف و لم تقض على السوق السوداء برغم الملاحقات الامنية و الرقابية لتجار العملة و شركات الصرافة ، و يعانى مجتمع الاعمال من صعوبات فى تدبير النقد الاجنبى بشكل عام ، ولكن البنك المركزى يقوم بتدبيرالنقد الاجنبى للواردات الاستراتيجية.

و زادت الفجوة  بين السعر الرسمى و السعر فى السوق السوداء للدولار، و تراوحت بين 75% و 100% فى مارثون لن يتوقف ، و سوف يزداد مع كل تخفيض مرتقب فى قيمة الجنيه، وحتى لو كان درامياّ ، ما لم تقم البنوك بتلبية الطلب على الدولار للأغراض المختلفة من استيراد و سياحة و حج و عمرة و خلافه.

فلا يمكن للسياسة النقدية وحدها مهما كانت جودتها و مرونتها  أن تعيد الاستقرار الى سوق الصرف ، فالأمر بتطلب تكامل السياستين  الاقتصادية و المالية مع اهداف السياسة النقدية.

لذلك تعد سياسة تخفض قيمة العملة الوطنية أو التعويم المدار من أسهل و أسوأ الحلول لعلاج أزمات سوق الصرف بالنسبة للدول التى يعانى اقتصادها من :-

1- عجز  كبير فى الميزان التجارى

2- عجز كبير فى الموازنة العامة

3- دين سيادى كبير

4- تراجع فى رصيد الاحتياطيات بالعملة الأجنبية

لذلك لم و لن تنجح سياسة تخفض قيمة العملة الوطنية أو التعويم المدار فى هذه الدول ، و تجدر الاشارة الى أن لقضية سعر الصرف فى مصر وضعية خاصة تتمثل فى ما يسمى بالدولرة أى تحويل الدولار الى سلعة أو تسليع الدولار الذى لم يعد مجرد عملة دفع  أجنبية  ، و هذا يزيد الأمر تعقيدا بلا شك.

بينما تنجح سياسة تخفض قيمة العملة الوطنية فى الصين لأن أدائها الاقتصادى و المالى يمثل بيئة مواتية لنجاح هذه السياسة من حيث تنافسية انتاجها التصديرى و تحقيق فائص قى الميزان التجارى و الاحتفاظ باحتياطى ضخم من العملات الأجنبية و تنوع الهيكل الاقتصادى الصينى ، فضلاّ عن انتهاج الصين لهذه السياسة لأغرض الحرب التجارية مع الولايات المتحدة و الاتحاد الاوربى بهدف زيادة حصتها فى كعكة التجارة الدولية و ليس لوجود نقص لديها فى العملات الاجنبية.

2- السياسة الثانية ( فرض رقابة على  استخدامات النقد الاجنبى )

يعد عجز الميزان التجارى المزمن و المتزايد المصدر الأولى لفجوة سوق الصرف ، ويعنى ذلك ببساطة زيادة الواردات عن الصادرات و تزداد حده فجوة سوق الصرف كلما زاد العجز فى الميزان التجارى الذى يمثل مراّه للأداء الاقتصادى، و الحد من الواردات أسهل و اسرع من زيادة زيادة الصادرات التى تتطلب وقت طويل نسبياّ لارتباطها الوثيق بتحسين تنافسية الاقتصاد ،و لتخفيف الضغوط على سوق الصرف يجب الحد من الواردات بالغاء سياسة الاستيراد المطلق الحالية وتبنى سياسة تقييد الواردات  فوراّ ، ومن ثم تقليل العجز فى الميزان التجارى و الطلب على العملات الاجنبية ، و لكن لهذه السياسة عدة عيوب أهمها  تراجع معدل النمو الاقتصادى لتضمنها جانبا انكماشياّ ، ويمكن تقييد الواردات بعدة أدوات ، أهمها :-

 

1- فرض رسوم جمركية مانعة على السلع المطلوب تقييد استيرادها

 

2- منع استيراد بعض السلع بقرارات ادارية

 

3- تقييد منح الائتمان للمستوردين

 

4- رفع  قيمة الغطاءات النقدية لاعتمادات الاستيراد

 

5- تطبيق نظام الحصص الاستيرادية ( و لا سيما على سيارات الركوب )

لذلك  فالسياسة البديلة لسياسة تخفض قيمة العملة الوطنية  و الأنسب لظروف اقتصادنا  و الأقل تكلفة هى سياسة تقييد الاستيراد بتخفيض فاتورة الواردات  بنسبة 50% واعداد قائمة بالسلع المحظور استيرادها و تتضمن :-

1- السلع الاستفزازية و الكمالية

2- المنتجات التامة ذات البديل المحلى

3- السلع الممكن الاستغناء عنها

و يكون هذا الحظرموقوتاّ و مؤقتاّ لمدة سنة  و يعاد النظر فيه عند تحسن موارد النقد الاجنبى و عودة السياحة  الى معدلاتها الطبيعية و تعديل قانون البنوك ليكون التعامل فى النقد الاجنبى قاصراّ على الجهاز المصرفى وسحب الشرعية القانونية من شركات الصرافة  التى تسيطرعلى معظم موارد النقد الاجنبى والتى لم ولن تكف عن افساد السوق

 تفاقم الدين العام

يتفاقم الدين العام نتيجة عجز الموازنة المزمن و المتزايد و التوسع فى الاقتراض باصدار أدوات الدين العام من سندات و أذون ، والمقترح أن تعمل الدولة بالموازنة المتوازنة  بدون قروض، أى  تتوازن المصروفات مع الايرادات ، و ذلك لمدة 3 سنوات قادمة ، و توجد العديد من الاجراءات المؤدية لخفض الانفاق العام وزيادة الايرادات السيادية ، ومن أهمها :-

بالنسبة لخفض النفقات العامة :

1- اصدار حد اقصى حقيقى للاجور

2- تجميد الاجور و المرتبات  التى تجاوز 10 الاف جنية  شهرياّ لمدة 3 سنوات قادمة

3- انهاء عمل  المستشارين بالجهاز الادارى للدولة

4- حظر العمل فوق سن الستين فى الحكومة

5- تحويل الدعم من عينى الى نقدى و ربطه بالدخل

6- تفعيل اّلية كروت البنزين

7- رفع انتاجية الجهاز الادارى للدولة بتقسيم العاملين على و رديتين صباحية ومسائية لتقديم الخدمات الحكومية على مدار الساعة

8- التوسع الفورى فى الخدمات الحكومية الالكترونية

9- الغاء سيارات الركوب الحكومية لكافة المسئولين

10- تخفيض البعثات الدبلوماسية فى الخارج

بالنسبة لزيادة الايرادات العامة

1- فرض ضريبة على الاستهلاك الكمالى و الترفى ( مكالمات المحمول ، صالات الافراح ، اجهزة التكييف و السيارات الفاخرة ، الشاليهات)

2-  سرعة تحصيل المتأخرات الضريبية

3- ضم الصناديق الخاصة للموازنة فوراّ

4- سرعة تحصيل قيمة أراضى الدولة المنهوبة

5- تجريم التعامل بدون اصدار فواتير

6- مكافحة التهرب الضريبى

وأخيرأ فان قضية سعر الصرف  هى قضية مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج ،  وليست قضية  سياسات تعالج  أعراض  و ليس أمراض  الاقتصاد  بالمسكنات والذى تتلخص  أمراضه العضال فى :-

1- عجز مزمن ومتزايد فى الموازنة

2- عجز مزمن ومتزايد فىالميزان التجارى

3- قصور فى الجهاز الانتاجى

4- تدنى الانتاجية و التنافسية

5- البيروقراطية و التخلف الادارى

6- الفساد

وعلى الصعيد السياسى ، دعا نواب تكتل 25-30، أعضاء مجلي النواب إلى لقاء ظهر الأحد القادم بمقر البرلمان للتوقيع على طلب لرئيس  المجلس،  لعقد جلسة طارئة يوم الاثنين لإلغاء القرارات التي صدرت أمس الخميس، والمتعلقة بتحرير سعر الصرف، وزيادة أسعار المنتجات البترولية، ومع هذا لا يشكل تكتل 25-30 المناهض للسياسات الاقتصادية الليبرالية  أغلبية مؤثرة داخل البرلمان.

و لكن فرضت المدرسة النيوليبرالية  نفسها، و لكن التكلفة  الاقتصادية و الاجتماعية ستكون باهظة حتماّ ، ترى هل ستكون محتملة الدفع !!.

CNA– مقال بقلم ،، أحمد الألفى ، خبير مصرفى ومدير بأحد البنوك

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش