أحمد الألفى يكتب: كيف أفلتت البنوك الاسلامية من براثن الأزمة العالمية ؟

أحمد الألفى

تعني كلمة ازمة Crisis  في علم الاقتصاد وجود نقص كبير أو حاد في جانب العرض، فكلمة أزمة أسمنت تعني وجود عجز أو نقص حاد في سوق الأسمنت.

ويترتب على ذلك أن معنى الأزمة المالية Financial Crisis وجود نقص أو عجز حاد في الأموال المتاحة للإقراض لدى الجهاز المصرفي بسبب شطب ديون رديئة أو أصول مسمومة Toxic Assets من ميزانيات البنوك العالمية، وهذه الأصول الرديئة عبارة عن ديون تم منحها لتمويل العقارات السكنية في الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة بالقروض دون المستوى أو Sub-prime .

إذن، فنقص الأموال المتاحة للإقراض والتوظيف يتطلب ضخ أموال في شرايين الجهاز المصرفي- لذلك سارعت معظم الحكومات في الدول ذات الإحتكاك المباشر بالازمة المالية إلى تخصيص إعتمادات مالية بمبالغ ضخمة لضخها في القطاع المصرفي، حيث ضخت حكومات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا وأسبانيا مليارات الدولارات في القطاع المصرفي في محاولة لإستيعاب التداعيات المباشرة للأزمة المالية.

ومن أحد أهم أسباب إندلاع الأزمة المالية إهدار قواعد منح الائتمان والإستثمار المالي الحصيف من جانب البنوك الأمريكية التي أشعلت فتيل الأزمة وصدرتها إلى معظم أسواق المال العالمية بفعل آلية التوريق أو التسنيد Securitization  لتتحول إلى أزمة ذات طابع عالمي برغم كونها محلية النشأة في الولايات المتحدة الأمريكية ,حيث تتخذ أسواق المال والاحتياطيات النقدية الدولية من نيويورك مركزاّ لها ومنها تُدار أموال العالم ، لذلك يقال “إذا عطست أمريكا أصيب العالم كله بالزكام متأثراً بالمخاط الأمريكى المالى الملوث”

ونتناول في هذه الدراسة الموجزة الأزمة المالية العالمية من خلال المحاور التالية:

1-اسباب نشأة الأزمة المالية .

2-آلية نشوب الأزمة المالية.

3-الابعاد الائتمانية للأزمة المالية .

4-آثار وتداعيات الأزمة المالية .

5-أساليب علاج الأزمة المالية.

6-الدروس المستفادة من الأزمة المالية.

7 – البنوك الآسلآمية و الأزمة المالية العالمية

أولاً: أسباب نشأة الأزمة المالية العالمية:

1-إهدار قواعد منح الإئتمان العقاري من جانب البنوك الأمريكية بدون إجراء دراسة إئتمانية حصيفة، حيث منحت البنوك الأمريكية عملائها الائتمان العقاري بدون قيام عملائها بسداد أي دفعات مقدمة من قيمة العقارات موضوع التأمين مع منح العميل خيار الفائدة المخفضة أثناء السنوات الخمسة الأولى من القرض,ويعني ذلك تحمل البنوك المقرضة بكامل المخاطر بنسبة 100%

2- إنخفاض أسعار الفائدة خلال سنوات ماقبل اندلاع الأزمة في الأسواق الأمريكية، مما شجع العملاء على التوسع في الإقتراض.

3-إنتشار ثقافة الإقتراض العقاري في أوروبا وأمريكا، لأن حلم إمتلاك المسكن يراود جميع المواطنين هناك.

4-طول آجال القروض العقارية حيث يصل آجل سداد القرض العقاري إلى عشرين سنة، مما يعكس إرتفاع مخاطر عدم السداد تطبيقاً للعلاقة الطردية التي تحكم العلاقة بين مخاطر عدم السداد وطول آجل القرض.

5-ضعف الرقابة الحكومية على الجهاز المصرفي في أمريكا، بل إلغائها منذ عهد الرئيس ريجان Reganoism بدعوى أنها معوقة وتقتل الإبداع المصرفي والمالي.

6-إنتشار الفساد في الأجهزة الرقابية وفي المصارف والشركات الكبرى منذ إنهيار شركة إنرون للطاقة وظهور إتجاه للحوكمة المؤسسية .

7-توسع الإقتصاد الأمريكي في الإقتراض وتنامى معدلات التضخم والبطالة بسبب زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي على الحروب في أفغانستان والعراق، وإنعكاس ذلك على العجز في الموازنة الأمريكية وإرتفاع الدين العام الأمريكي إلى حوالي 8.9 تريليون دولار.

8-إرتفاع أسعار العقارات بشكل متصاعد خلال العقدين السابقين على نشوب الأزمة وإعتماد البنوك على إفتراض خاطئ مؤداه أن هذا الارتفاع سوف يستثمر بشكل لا نهائي أو إلى الأبد و بنفس المعدلات .

ثانياً: آلية نشوب الأزمة المالية :

تتكون الآلية التي كانت تعمل بمقتضاها البنوك الأمريكية المانحة للتمويل العقارى من  سبعة أطراف , نتناولها  على النحو الآتي:

1- السمسار العقاري Broker Real state

من مساوئ النظام المصرفي الأمريكي إعتماد البنوك والمصارف الأمريكية في توظيف أموالها على طبقة السماسرة ، ومن ثم لا ينتقي البنك عملاؤه بنفسه، ويقوم السمسار العقاري المتعاقد مع البنك بجلب العملاء للبنك والقيام بعملية تجميل وترقيع للعميل لتأهيله للإقتراض، ولا يهم السمسار إلا الحصول على العمولة وينتهي دوره عند هذا الحد، ثم يترك المخاطر للبنك ليتحملها بمفرده.

وقد قام العديد من السماسرة بتزوير بيانات عن عملاء ليس لديم وظائف ولا دخل وتمكنوا من الحصول على قروض عقارية بفضل عمليات التزوير هذه.

وقد أطٌلق مصطلح قروض النينجا Ninja Loans  (No income, No job, No assets) أي لا دخل وولا وظيفة ولا أصل مالى لدى العميل المقترض.

2- عميل الرهن العقاري

بسبب تفشى ثقافة الإقتراض في المجتمع الامريكي فقد أقدمت معظم شرائح المجتمع الأمريكي على القروض العقارية لتحقيق الحلم الأمريكي في إمتلاك المسكن، ومع وجود طبقة السماسرة التي سهلت لجميع المتقدمين الحصول على القروض حتى العاطلين منهم بتقديم بيانات مصطنعة ومضللة للبنوك المانحة. ولا شك أن عدم الوعي  بالحدود الآمنة للإقتراض الشخصي والذي تحكمه قاعدة تسمى 20/10 ويعني رقم 20 أن لا يتجاوز إجمالي الأقساط السنوية 20% من الدخل السنوي للعميل ، وأن لا يتجاوز إجمالي المدفوعات النقدية في بطاقة الإئتمان 10% من الدخل الشهري للعميل ، وتحكم هذه القاعدة منح قروض التجزئة المصرفية بشكل عام.كما أدى فقد بعض العملاء المدينيين لوظائفهم بسبب إرتفاع معدلات البطالة إلى توقفهم عن السداد.

3- البنك مانح الإئتمان.

أخطأت البنوك مانحة الائتمان العقاري أخطاء فادحة تمثلت في الأخطاء الآتية:

1-إهدار قواعد منح الإئتمان.

2-تمويل العقارات بدون دفعة مقدمة.

3-الإعتماد المفرط في الإقراض على الضمانات.

4-ترحيل الفائدة للسنوات الخمسة الأولى إلى السنوات التالية.

5-تمويل التضخم.

فقد أهدرت البنوك قواعد منح الإئتمان حيث لم تعد الدراسات الائتمانية المتعارف عليها لتقييم مقدرة العميل على السداد إعتماداً على مستوى دخل العميل المقترض ومدى إستقرار الدخل المتوقع خلال سنوات سريان التمويل، حيث كان الأمر لا يعدو أن يكون إلا تمويل أو رهن سلعة بأسلوب بيوت الرهونات.

وقد قامت البنوك بتمويل العقارات بدون قيام العميل طالب التمويل بسداد أي دفعة مقدمة من قيمة العقار موضوع التمويل، ويعني ذلك ببساطة تحمل البنك للمخاطر بنسبة 100% وعدم تحمل العميل لأية مخاطر , ويعني ذلك ضعف الجدية والرغبة في السداد لدى العملاء.

ولقد أغرت البنوك عملائها بترحيل الفائدة الخاصة بالسنوات الثلاث أو الخمسة الأولى للقرض إلى السنوات التالية لإغراء العملاء بالحصول على القروض العقارية، ويعني ذلك تقليل الاقساط خلال سنوات القرض الأولى، ويعكس ذلك أيضاً إيهام العملاء بتقليل أعباء القروض العقارية وإظهارها عمداً بأقل من قيمتها  وتكلفتها.

ولعل الأمر الأخطر هو قيام البنوك بتمويل التضخم بمعنى مراهنة البنوك على إستمرار إرتفاع الأسعار السوقية للعقارات إلى الأبد، حيث رأت أن هذا الإرتفاع يعوضها عن تقاضي دفعة مقدمة ويغطي أي مخاطرمستقبلية إعتماداّ إرتفاع السعر السوقى للضمان، وبالبطع هذا إتجاه خاطئ جداً لأن إرتفاع أسعار الأصول في السوق لا يتحقق إلا بواقعة البيع، ويختلف الببع الجبري الذي تقوم به البنوك وفاءاً لمستحقاتها عن البيع الرضائي، حيث تقل أسعار البيع في النوع الاول من البيع عن  النوع الثاني، وهكذا  قامت البنوك بتمويل التضخم دون أن تتحقق من أن لهذا التمويل أي قيم نقدية حقيقية، أي تمويل  ورقي  ليس  إلا.

4- البنك الإستثماري

يختلف البنك التجاري عن البنك الاستثماري في أن الأول يقبل الودائع ويمنح الائتمان في حين أن الثاني لا يقبل الودائع ويقوم بالاستثمار المباشر في الأسواق (أسواق المال، الصرف، السلع …….  إلخ) لحسابه أو لحساب عملائه, وقد لجأت البنوك التجارية مانحة التمويل العقاري إلى البنوك الإستثمارية في وول ستريت لتقوم الأخيرة بتوريق أو بتسنيد محافظ القروض العقورية لديها، أي تحويلها إلى سندات بضمان نفس المحافظ، وقامت البنوك الإستثمارية بإصدار سندات تسمى في السوق الامريكي بالـ CDO أي Collateralized Debt Obligations   أي إلتزامات الديون المضمونة، وبالـ CMO أي Collateralized Mortgage Obligations أي إلتزامات الرهون المضمونة.

وصنفت هذه السندات إلى ثلاثة شرائح الشريحة الأولى منها ذات أولوية والثانية منها سندات عادية، والثالثة سندات دون المستوى وأغرت عملائها من ذوي الأموال الساخنة بمنح سعر عائد كبير عليها، وهكذا تحولت الديون العقارية إلى سندات تم تداولها في أسواق المال العالمية بفضل التصنيفات الوردية وغير الحقيقية التي منحتها لها وكالات التصنيف الإئتماني، وتسمى عملية التوريق هذه بالسحر المالي Financial Magic وتعني تحويل الديون الردئية إلى أدوات مالية جذابة وقابلة للتداول في الأسواق المالية العالمية، وأبطال هذا السحر هم المصرفيين في البنوك الاستثمارية الذين أطلقوا عليهم تهكماً لقب الرجال الأذكياء Smart Men  في وول ستريت.

5- وكالات التصنيف الإئتماني

تشير أصابع الاتهام إلى وكالات التصنيف الإئتماني CRAs التي ساهمت في توريق محافظ التمويل العقاري الردئية، حيث منحت تصنيفات إئتمانية مرتفعة  تصل  إلى مرتبة AAA لعملاء من ذوي الجدارة الإئتمانية المنخفضة، وبفضل هذه التصنيفات الوردية منحت أسواق المال ثقتها في السندات الموُرقة وإتخذت قرارات الاستثمار في هذه الأصول المسمومة، لذلك إرتفعت الأصوات عالمياً تنادى بضرورة خضوع وكالات التصنيف للرقابة والتقييم، كما أشارت تنقيحات بازل II الصادرة في يوليو 2009 بأن التصنيف الإئتماني الممنوح من وكالات التصنيف الخارجية يعد نقطة بداية للتحليل الإئتماني الحصيف وليس نقطة نهاية.

6- شركات التأمين

إكتملت منظمة السحر المالي المشار إليها في البند (4) بعاليه بإسناد البنوك الإستثمارية المورقة لمحافظ الإستثمار العقاري الرديئة لشركات تأمين رائدة مثل شركة AIG العملاقة للتأمين – والتي أُشهر افلاسها مؤخراً – للتأمين على هذه السندات ضد مخاطر عدم السداد، وقامت شركات التأمين بإصدار وثائق تأمين تغطى مخاطر عدم السداد دون أن تجرى دراسة واقعية للمخاطر ودون توزيع جيد للمخاطر، كما لم تقم بإعادة التأمين لدى شركات تأمين أخرى لإعتبارات تحويل المخاطر، وتحققت المخاطر فيما بعد، وهكذا وجدت شركات التأمين مطالبات واجبة السداد تفوق أرصدة السيولة النقدية المتاحة لديها، وبكل بساطة تركتها الأجهزة المسئولة دون مساعدة ليتم إشهار إفلاسها في غضون أيام قليلة عقب إندلاع الإزمة.

7- المستثمرون الدوليون :

تهافت المستثمرون الدوليون من صناديق إستثمار وصناديق تقاعد ومعاشات وبنوك ومتعاملون في البورصات العالمية على شراء سندات المحافظ المورقة للديون العقارية والتي تحولت بفعل عمليات السحر المالي إلى  CDO و CMO ذات مزايا براقة وزائفة معاً، حيث أضفت عمليات السحر المالي على هذه السندات المزايا الآتية:

1- سندات ذات تصنيف إئتماني مرتفع أو جيد ممنوح من وكالات التصنيف الرائدة.

2- سندات مؤمن عليها ضد مخاطر عدم السداد بواسطة شركات تأمين كبيرة.

3- البنك الإستثماري المورق أسم كبير في وول ستريت.

4- سندات ذات أسعار فائدة ثابتة مرتفعة.

5- سندات ذات شرائح ذات أولوية Priority في السداد.

وهكذا إنساق المستمرون الدوليون للإستثمار في هذه السندات إلى أن وقعت الكارثة.

8- أجهزة الرقابة

كانت أجهزة الرقابة كالمتفرج المُغيب الذي لم يرصد هذه السلسلة من الأحداث المالية، ربما لانها لم تكن معنية بالأمر أو لا تملك الصلاحيات القانونية التي تؤهلها لمباشرة وظائفها وخصوصاً في الولايات المتحدة التي همشت دور الرقابة وتبنت مفهوم الرقابة الذاتية من داخل المؤسسات المالية والبنوك التي إعتقدوا أنها قد بلغت سن الرشد المالي ولا تحتاج وصاية أجهزة الرقابة.

ثالثاً: الأبعاد الإئتمانية للأزمة المالية

بعد التعرف على الآلية التي نشبت بمقتضاها الأزمة المالية ومدى مساهمة الأطراف الفاعلة فيها، من المهم أن نستخلص أهم الأبعاد الإئتمانية للأزمة المالية التي تعتبر في جوهرها قضية إنفلات إئتمانى ووهم مالي ليس إلا.

ومن أهم الأبعاد الإئتمانية للأزمة المالية الأبعاد الآتية :

أ- تعدد الدائنين للمدين الواحد.

أسفرت عمليات توريق محافظ الديون العقارية عن تعدد الدائنين على نفس أو ذات الدين أو نفس المدين الواحد أو المدين الأصلي مُنشئ الدين وهو العميل الممنوح إئتمان عقاري من البنك الدائن، فعند قيام البنك بتوريق هذه المحفظة قام بإنشاء وإضافة دائن جديد ثاني للعميل المدين وهذا الدائن الجديد هو حامل سند الدين العقاري المورق، وقد يقوم حامل السند المورق هذا بالإقتراض من بنك آخر بضمان السند المورق فيضيف بهذه العملية دائن آخر ثالث جديد هو البنك مانح الإئتمان بضمان السند المورق، وعندئذ يوجد ثلاثة دائنين لمدين واحد عن ذات الدين .

ب- سقوط نظرية التسليف على الضمان

من أهم الأبعاد الإئتمانية التي أفرزتها الأزمة المالية سقوط نظرية التسليف على الضمان أو بمعنى أدق الاعتماد المفرط أو الحصري على الضمان والرهن في منح الإئتمان، فقد كان لدى البنوك ضمانات عقارية مسجلة ورهن أول ومع هذا إنهارت قيمة هذه الضمانات وفقدت 75% من قيمتها السوقية. فالضمان ليس المصدر الطبيعي لسدداد الإئتمان، بل مصدر سداد إحترازي لسداد الإئتمان، ومصدر السداد الطبيعي هو التدفقات النقدية للعملية أو للنشاط موضوع التمويل الذي يجب أن تحتل دراسته الأولوية القصوى في سلم أولويات دراسة مقومات الجدارة الإئتمانية للعميل طالب الإئتمان.

إذن الضمان يعد بمثابة شرطاً ضرورياً لمنح الإئتمان ولكن لا بعد شرطاً كافياً للحصول على الإئتمان، والإئتمان الجيد يجب أن يُمنح بناء على توفر كل من:

1-الشروط الضرورية.

2-الشروط الكافية.

ولا يعد أي منهما بديلاً عن الآخر ويتعين تحققهما معاً.

رابعاً: آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية:-

أفرزت الأزمة المالية العالمية آثارها وتداعياتها على العالم بأسره، فلم ينح منها أي إقتصاد مهما كانت درجة نموه أو تطوره، و تمثلت فى التداعيات التالية:-

1-  تراجعت بورصة الأوراق المالية  وإنهار مؤشر السوق المصرية case30 بنسبة 60%وإنهارت مؤشرات الأسواق بنسبة تراوحت بين 70% و38% حسب درجة الارتباط بالإقتصاد العالمي وإنهيار مؤشرات الأسواق العالمية بنسبة تراوحت بين 34% و 70% وأكثرها إنهياراً البورصة الروسية.

2- تراجعت حركة التجارة الدولية,فتراجع معدل نمو الصادرات العالمية إلى 30% وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية. (WTO)وزيادة العجز في الميزان التجاري إلى 25% وتراجعت حركة الملاحة الدولية بقناة السويس , كما تراجعت اسعار البترول من 150 دولار إلى أقل من 70 دولار للبرميل وتراجع الصادرات البترولية.

3- تراجع معدل النمو الإقتصادي من 7% قبل الأزمة إلى 5% أثناء الازمة المالية العالمية وتراجعت معدلات النمو الإقتصادي بنسبة الثلث وفقاً لمدى تعرض الدولة للمتغيرات الخارجية ومدى الإنفتاح على العالم الخارجي.وإنكمشت الإقتصاديات العالمية ولا سيما الإقتصاد الأمريكي بإستثناء الصين التي نجحت في تحقيق معدل نمو 10% برغم وجود الازمة، ويرجع ذلك إلى فاعلية علاج الصين للأزمة.

4- تراجع معدل التضخم نسبياً بالمقارنة بمعدلات التضخم قبل الازمة والتي  كانت قد وصلت لمستوى قياسى 25% وتراجعت معدلات التضخم ولكن بنسبة أقل من معدل تراجع التضخم في الدول المتقدمة.تراجعت معدلات التضخم بدرجة أكبر من تراجع التضخم في الدول النامية بسبب إنخفاض معدل دوران النقود.

5- إرتفعت معدلات البطالة بسبب تقلص الإستثمارات وتراجع حركة رؤوس الأموال وسادت الإقتصاديات العربية معدلات بطالة أكثر إرتفاعاً مع إنهاء عقود العمالة وإرتفعت معدلات البطالة بشكل ملحوظ ولكن تباينت من دولة لأخرى ولكن نسب الإرتفاع كانت أكثر من الدول النامية.

6- تراجع الإستثمار الأجنبي المباشر FDI بسبب الأزمة , حيث تراجعت حركة الإستثمار الأجنبي المباشر بنسب متفاوتة وساد  إتجاه التراجع أيضاً إقتصاديات الدول الكبرى كأحد تداعيات الأزمة .

7-إرتفع الدين المحلي بسبب تراجع الإيرادات السيادية وزيادة الإنفاق التحفيزي لدفع الإستثمار.وسجلت الموازنات عجز كبير بسبب تراجع الإيرادات البترولية بسبب إنخفاض أسعار البترول الخام كأحد تداعيات الازمة .وإزداد العجز في الميزانيات بسبب ضخ الاموال الحكومية في القطاعين المالي والمصرفي للخروج من الأزمة.

8 – تبنت السلطات النقدية في مصر اتجاه تثبيت أسعار الفائدة ثم سايرت الإتجاه العالمي وخفضت أسعار الفائدة ثم عاودت إنتهاج سياسة تثبيت أسعار الفائدة مرة أخرى.تبنت الدول العربية سياسة تخفيض أسعار الفائدة لكنها لم تصل للصفر ثم عاودت إتجاه التثبيت مرة أخرى.وتراجعت أسعار الفائدة على المستوى العالمي، ووصلت في بعض الدول إلى الصفر وهدفت البنوك المركزية التي تبنت إتجاه تصفير الفائدة إلى دفع الإستثمار وتشجيع الاستهلاك خوفاً من دخول الأسواق دائرة الركود.

خامساً: أساليب علاج الازمة المالية :

لم تختلف أساليب علاج الازمة المالية من دولة لأخرى سواء على المستوى المحلى أو الاقليمى أو الدولى وأجمعت جميع الحكومات والمدراس الاقتصادية على أسلوب واحد لعلاج الازمة المالية ألا وهو ضخ الأموال فى القطاعين المالى والمصرفى وزيادة الإنفاق الحكومى لتنشيط الطلب، أى أن علاج الازمة المالية إتخذ محورين هما ضخ الأموال فى القطاع المصرفى وزيادة الانفاق الحكومى، وقد بلغت الأموال المخصصة لعلاج الازمة المالية العالمية 3.2 تريليون دولار امريكى.

1- المحور الاول : ضخ الأموال فى القطاع المصرفى .

قامت دول رابطة الأسيان بإنشاء صندوق حكومى لشراء الديون المصرفية المتعثرة.

قامت الولايات المتحدة بضخ أموال تقدر بـ 700 مليار دولار لشراء الأصول المصرفية المسمومة أو الديون الردئية .

قامت الحكومة الفرنسية بضخ مبلغ 320 مليار يورو في القطاع المصرفى لمواجهة القروض الردئية .

ولم يختلف الوضع فى كل من المانيا واسبانيا وبريطانيا وروسيا حيث خصصت حكوماتها مبالغ كبيرة لضخها فى القطاع المصرفى وفى شراء الديون المصرفية المتعثرة .

2- المحور الثانى : زيادة الانفاق الحكومى :

قامت الحكومة الصينية بإنفاق 600 مليار دولار امريكى على مشروعات البنية التحتية وكفل الإنفاق الضخم تحقيق الصين لمعدل نمو اقتصادى بلغ 10.1% خلال عام 2009 ، حيث أحرزت الصين هدف الخروج من الأزمة وتسارع معدل النمو الاقتصادى وحمت اقتصادها من التراجع .

وفى مصر خصصت الحكومة 15 مليار جنيه لضخها لمواجهة تداعيات  الأزمة المالية .

وبجانب المحورين السابقين إتخذت بعض الحكومات إجراءات أخرى للخروج من الأزمة مثل منح اعفاءات ضريبية تقدر بحوالى 100 مليار دولار فى الولايات المتحدة وتصفير اسعار الفائدة وزيادة تدخل الدولة فى القطاع المصرفى فى قلاع الرأسمالية وتأميم البنوك وتخفيض نسبة الإحتياطى الإلزامى، ولكن مثل هذه الإجراءات تعد إجراءات مساعدة أو تكميلية حيث أن المحور الحاسم فى علاج الأزمة يكمن فى ضخ الأموال سواء فى القطاع المصرفى أو فى سائر القطاعات الاقتصادية لأن الازمة المالية عبارة عن أزمة أو نقص فى الأموال وعلاجها يتطلب توفير الأموال .

سادساً: الدورس المستفادة الازمة المالية العالمية :

من أهم الدروس المستفادة من الازمة المالية العالمية عدة دروس تتخلص فى الآتى :-

1- تفعيل الرقابة المصرفية الخارجية .

2- وضع سياسات إقراض حصيفة .

3- الحد من الإعتماد على وكالات التصنيف الخارجية .

4- مراجعة سياسات الأجور فى البنوك .

5- تدخل الدولة فى القطاع المصرفى .

6- تفعيل آليات الحوكمة فى البنوك .

7- الإعتماد على الكوادر الداخلية .

ونتناول فيما يلى كل منها بشىء من التفصيل :

1- فقد كان لغياب أو لتهميش رقابة السلطات النقدية ممثلة فى البنوك المركزية دوراً كبيراً فى نشوب الأزمة ولاسيما فى الولايات المتحدة الامريكية التي تكاد تكون قد الغت الرقابة على البنوك منذ عهد الرئيس ريجان، فلم يكن بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى يلعب أى دور فى الرقابة على البنوك وأطلق العنان للبنوك  الامريكية في إهدار قواعد منح الائتمان، لذلك وقعت الكارثة وكان للبنك المركزى المصرى دوراً كبيراً فى إحكام الرقابة على البنوك فى مصر، مما جنب بنوكنا التورط فى هذه الازمة.

2- وكان لإهدار قواعد منح الائتمان الحصيف دوراً كبيراً فى نشوب الازمة ، حيث يعنى إهدار قواعد منح الائتمان إنتاج ديون ردئية بسبب منح إئتمان لعملاء من ذوى الجدارة الائتمانية السلبية كشريحة عملاء النينجا وتعنى إختصار لعملاء لايتوفر لهم دخل ولا وظيفة ولا أصول، حيث منحت البنوك الامريكية قروض عقارية لهذا الفئة المُعدمة من العملاء .

3- لعبت وكالات التصنيف الائتمانى الخارجية  دوراً مكارثياً فى الزج بالبنوك فى الازمة المالية ، حيث منحت السندات المورقة تصنيفات ائتمانية وردية ومرتفعه ضللت البنوك والمستثمرين ولم تكن هذه السندات إلا مجرد قصاصات ورقية لاتساوى شيئاً، ولم تكن هذه الوكالات تخضع لأى نوع من الرقابة. لذلك فقد آن الأوان لتعتمد البنوك على كوادرها الداخلية فى التصنيف الإئتمانى وأن تنظر للتصنيفات الخارجية على أنها مجرد بداية أو مدخل للتحليل الائتمانى الجيد، وذلك وفقاً لتعزيزات  بازل II الصادرة فى يوليو 2009 .

4- لعبت سياسات الأجور والمكافآت المنفلتة فى البنوك العالمية دوراً كبيراً فى نشوب الازمة حيث تقاضى المديرون فى هذه البنوك مكافآت سخية جداً مقابل أرباح دفترية فى الآجل القصير سرعان ما تحولت الى خسائر فادحة فى الأجل المتوسط ، فلم يتم ربط الأجور بالمخاطر التى جلبها هؤلاء المديرين لبنوكهم، لذا تضمنت تعزيزات بازل II الصادرة فى يوليو 2009 مؤشرات لسياسات الأجور الحصيفة فى البنوك إذ أعطت للبنوك المركزية الحق في التدخل فى سياسات الأجور، وهذا الإتجاه يجب أن ينتهجه البنك المركزى المصري أيضاً لأن سياسات الأجور فى البنوك المصرية أصبحت مشوهة جداً وتتطلب تدخل سلطة رقابية سواء فى البنوك العامة أو الخاصة معاّ .

5- أثبتت التجارب ضرورة إحتفاظ الدولة بحصص حاكمة فى ملكية البنوك الكبيرة لأن ترك البنوك ذات الكيانات الكبيرة فى يد القطاع الخاص يعد مكمن الخطورة لأن الكيانات الكبيرة عادة تقود السوق، وإحتفاظ الدولة بحصص حاكمة فى ملكية هذه الكيانات عادة ما يحد من جنوح الملكية الخاصة الذى قد يقودها الى الكارثة من جهة، ومن جهة أخرى أن البنوك تعمل بأموال المودعين ولاتعمل بأموال ملاكها ، ومن ثم فإن تمثيل الملكية العامة فيها يعد أمراً ضرورياً ليكون بمثاية سياج لها من الجنوح جنباً إلى جنب مع الرقابة الخارجية عليها .

6- يتعين تفعيل وإعمال آليات الحوكمة المصرفية وإرساء مبادئ أكثر اتساعاً ونطاقاً  للشفافية لأن نطاق الشفافية المتسع فى حد ذاته يعمل كآلية مباشرة للرقابة على  البنوك، ويجب أن يكون تفعيل آليات الحوكمة المصرفية حاسماً فى البنوك، لأن البنوك تعمل اساساً باموال الغير وبالتالى فالوضع يختلف عن الحوكمة فى الشركات لان الشركات تعمل بأموال ملاكها فى المقام الاول .

7- أثبتت الازمة المالية العالمية أن البنوك التى إعتمدت على كوادرها ونظمها الداخلية فى إدارة المخاطر كانت أقل تأثراً بالازمة مقارنة بالبنوك التى كانت تعتمد فقط على وكالات التصنيف الخارجية فى تصنيف العملاء وإحتساب المخاطر ، لذلك يتعين إعتماد البنوك على كوادرها الداخلية وأن لا تسلم  ذقنها  مرة أخرى لوكالات التصنيف الائتمانى الخارجية ولسماسرة القروض.

هذه هى أسباب و تداعيات و سبل علاج الازمة  المالية العالمية من وجهة نظر الاقتصاد الربوى الذى صنع هذه الازمه بآلياته الجشعة و الورقية, ترى ماهى وجهة نظر الاقتصاد الاسلامى فى هذة الازمة ؟

نتناول فيما يلى موقع البنوك الاسلامية فيها وكيف نجت منها

7 – البنوك الآسلآمية و الأزمة المالية العالمية

بداية لم يكن للبنوك الاسلأمية أى موقع من قريب و لا من بعيد فى الأزمة المالية العالمية,وسوف يتضح ذلك جليا من مناقشة القواعد الحاكمة للإستثمار فى الإسلام ,و ذلك على النحو المبين تباعا فى النقاط التالية من هذا البحث.

نجت البنوك الأسلأمية من الأثار المباشرة للأزمة المالية العالمية بفضل المبادىء العقائدية و السماوية الحنيفة الحاكمة للأستثمار فى الأسلأم ومن اهمها :-

1-عدم تسليع النقود

2-عدم الاتجار فى النقود

3-عدم الاتجار فى أدوات الدين

4-عدم الاستثمار فى الاقتصاد الورقى

5-عدم المتاجرة بالملكية

6-عدم تمويل التضخم

7-عدم انتاج التمويل الإسلامى لأعباء تمويلية

و نتناول فيما يلى كل منها بشىء من التحليل و التفصيل :-

أولا : عدم تسليع النقود

لا ينظر الفكر الآسلآمى الى النقود على انها سلعة تطلب لذاتها, بل ينظر الى النقود من خلآل الوظائف التى تؤديها فى الحياة الآقتصادية كمستودع للقيمة و وسيط للتبادل و كنقود قانونية تبرىء ذمة المدين, لذلك لآ يعتبر الفكر الآقتصادى الآسلآمى النقود سلعة كسائر السلع الآخرى يمكن ان تباع و تشترى بعيدا أو بمعزل عن وظائفها الآقتصادية. إن  ما فعله الآقتصاد الربوى  جعل النقود سلعة مجردة مثل أى سلعة اخرى و عزلها عن وظائفها و اوجد لها اسواق تباع و تشترى فيها مقابل ثمن هو سعر الفائدة.

و لما كان سعر الفائدة مرتبط ببلوغ الآجل , حيث أن الآساس المطبق لحساب سعر الفائدة هو الزمن من جهه , و من جهه اخرى يرتفع  سعر الفائدة بندرة  الآموال , كما ينخفض سعر الفائدة بوفرة هذه الآموال , لذلك فغن بلوغ الآجل مرهون بتحقق متغيرات لايمكن اخضاعها للقياس المادى المؤكد ,الأمر الذى يخرج النقود عن وظائفه االطبيعية.

اذن فالفكر الاقتصادى الاسلامى لا يعتبر النقود أصل كامل مستقل بذاته يقوم بوظيفة تمويلية بعيدا عن التوظيف الاقتصادى للنقود.

ويترتب على ذلك ان الاختلاف بين الفكرين الاسلامى و الربوي بالنسبة لنظرة كل منهما لوظائف النقود يكمن فى الوظيفة التمويلية للنقود, ففى الفكر الاسلامى لا ينظر للنقود على انها أصل قائم و مستقل بذاته , أى لا يتعامل بالنقد مقابل النقد كالفكر الربوى , بل سوظف النقود ويحولها الى منافع أو سلع و خدمات. لذلك تتطابق وجهة نظر كل من  الفكر الاسلامى و الربوي بالنسبة لوظائف النقود الثلاثة التالية:-

– مستودع للقيمة

– وسيط للتبادل

– قوة الابراء القانونية

بينما يكمن الاختلاف فى الوظيفة التمويلية  للنقود بين الفكرين الاسلامى و الربوي وذلك على النحو الساف الذكر.

ثانيا: عدم الاتجار فى النقود

يترتب على  الاختلاف فى الوظيفة التمويلية  للنقود بين الفكرين الاسلامى و الربوي بالنسبة لنظرة كل منهما لوظائف النقود  أن البنوك الاسلامية لا تتاجر فى الاموال مثل البنوك الربوية التى تتاجر فى الاموال بيعا و شراءا مقابل تقاضى فائدة , حيث تكون الفائدة خصما و او اضافة المقابل او العائد المادى المباشر نتيجة الاتجار فى النقود.

و تفسر ايدولوجية الاتجار فى النقود وفقا للفكر الاقتصادى الربوى ارتفاع معدلات التضخم بشكل معتاد و متسارع , حيث  لا يخلو اى اقتصاد فى العالم من معدلات التضخم المرتفعة, وتختلف هذه المعدلات من دولة لاخرى بحسب مدى كبر و كثافة عمليات الاتجار فى النقود , لان هذه المعاملات تولد تيارا  نقديا مصطنعا  فى الاقتصاد يضغط بشكل مستمر على التيار السلعى فى الاقتصاد مما يؤدى الى افراز معدلات التضخم المرتفعة , لان الاختلال بين التيارين السلعى و النقدى فى الاقتصاد ينتج معدلات تضخم مرتفعة عندما يزيد التيار النقدى عن التيار  السلعى فى الاقتصاد,وذلك كنتيجة مباشرة و منطقية لعمليات الاتجار فى النقود التى تؤدى الى زيادة عرض النقود والى تسارع  التيار النقدى بوثيرة  فائقة السرعة مقارنة بمعدل تسارع التيار السلعى او المادى فى الاقتصاد .و نتيجة لعلاقات التشابك المالى  و المصرفى بين دول العالم الختلفة و التى تطورت وتعقدت بنيتها الاساسية كنتيجة للتقدم المذهل فى وسائل الاتصال تنتشر معدلات التضخم وتنتقل بين الدول عبر الحدود, فضلا عن هيمنة النظام المصرفى الربوى على مقدرات العالم اصبح التضخم بمثابة ورم فى جسد الاقتصاد العالمى و المعاصر.وهذا الورم الاقتصادى الذى افرزه  الاتجار فى النقود بات يهدد الاستقرار الاقتصادى للعالم باثره و يفرز الازمات المالية و الاقتصادية , فلا فرق بين دول متقدمة ولا نامية ولكن النامية تعانى بشكل أشد وطأة من الدول المتقدمة بسبب التبعية المالية و المصرفية لنظام مالى و مصرفى ذو عقيدة او ايدولوجية مشوهة و هشة تعتمد على التسارع النقدى بشكل اكبر من الانتاج المادى الملموس او المنافع الاقتصادية.

ثالثا : عدم الاتجار فى ادوات الدين

تقوم العلاقة بين البنوك الربوية وبين عملائها على اساس علاقة الدائن بالمدين , فهى تمنح عملائها الائتمان و تقبل الودائع منهم مقابل فائدة ثابتة او معومة اى متغيرة , وتكون الفائدة هذه مدينة فى حالة الاقتراض من قبل المقترض , بينما تكون دائنة فى فى حالة الاقراض من قبل المقرض , ويتم التعامل بالفائدة بشكل مستقل و منفصل تماما عن اوجه توظيف هذه الاموال التى تمثل حصيلة عمليلت الاقراض او الاقتراض,بينما تقوم العلاقة بين البنوك الاسلامية وبين عملائها على اساس علاقة المشاركة فى المنافع او الغنم و الغرم , فلا وجود لعلاقة الدائن بالمدين فى معاملات البنوك الاسلامية مع عملائها, حيث تتعدد صور صيغ توظيف البنوك الاسلامية لاموالها لدى عملائها او بالاحرى شركاؤها على النحو الاتى:-

مضاربة

– مراجحة

– مشاركة

– اجارة

– تجارة

– استزراع

– استصناع

– مقاولة

وما الى ذلك من صيغ متعارف عليها فى معاملات البنوك الاسلامية مع شركائها.

ويترتب على  عدم اعتداد البنوك الاسلامية بمبدأ علاقة الدائن بالمدين عدم قيام البنوك الاسلامية بالاستثمار فى ادوات الدين بمختلف انواعها سواء كانت اذون او سندات حكومية او غير حكومية,لان الاتجار فى ادوات الدين يعد فى جوهره تعاملا فى اوراق و لا يولد اى اثار و لا منافع اقتصادية مباشرة ,بل يؤدى الى تعدد الدائنيين على المدين الواحد وعلى الضمان الواحد.

و الدليل العملى على ذلك و المستخلص من الازمة المالية العالمية اسلوب التوريق الذى ادى الى توليد عدة دائنيين على المدين الواحد وعلى الاصل او الضمان الواحد ,و بفعل اسلوب التوريق هذا تم تفتيت او تجزئة ادوات الدين المقيدة على المدين الاول وتحويلها الى ادوات دين جديدة من قبل الدائن الاول الى عدة دائنيين جدد, وتم طرح ادوات الدين الجديدة للبيع تحت مسمى جديد و براق هو السندات المورقة, وبطبيعة الحال تكالبت الاموال الربوية على شراء هذه السنداتدون ان تضبف للاقتصاد شيئا الا الديون , و عندما تعثر المدين الاول او الاصلى فى سداد ديونه فقد الدائن الاول و كذلك الثانى تاجر الديون امواله.

وانتشرت تجارة الديون هذه فى اسواق المال العالمية لان البنوك التجارية المانح الاول للائتمان قامت بتوريق محافظها الائتمانية بواسطة بنوك الاستثمار التى روجت لها فى الاسواق لتشتريها صناديق الاستثمار او تجار الديون.

ولقد نجت البنوك الاسلامية من شراك هذه الالية بفضل ايدولوجيتها الفطرية بعدم الاعتداد بعلاقة الدائن بالمدين فى معاملاتها وتأسيسا على هذا المبدا الرصين عدم الاتجار فى ادوات الدين بكافه صوره و انواعه.

رابعا:  عدم الاستثمار فى الاقتصاد الورقى

الاقتصاد الورقى ببساطة هو اى صك او سند دين او استثمار او معاملة تعطى حاملها او اطرافها الحق فى الحصول على المال او الالتزام بدفع المال بطريقة تلقائية و مباشرة وبشكل مستقل  و منفصل تماما عن مباشرة اى نشاط اقتصادى مباشر او غير مباشر.

و تتعدد صور الاقتصاد الورقى من اسهم وسندات ووثائق استثمار , كما تتخذ صور اكثر تعقيدا  كالمشتقات المالية و الخيارات و عقود المستقبليات و العقود الاجلة فى السلع و فى العملات و الاسهم و السندات و العمليات التى لا تعتمد على رصيد او البنود خارج الميزانية, فكل هذه المعاملات  مجرد معاملات تنتج اوراق بعيدة تماما عن الاقتصاد المادى و لا تمت باى صلة له.

وهذه المعاملات لها اسواق و بورصات عالمية و يقوم الافراد و البنوك الربوية بالاستثمار فيها طلبا للربح السريع , ويشكل الاقتصاد الورقى اقتصادا افتراضيا قوامه الورق بمعزل عن الاقتصاد الفعلى او الحقيقى , ولقد تضخم هذا الاقتصاد الورقى بشكل خطير و كبير جدا , حيث اصبح عبئا على الاقتصاد العينى او المادى او الحقيقى .

و تشير الاحصاءات المنشورة عن حجم هذا الاقتصاد الورقى انه يقدر باربعين ضعف الاقتصاد العينى , وببساطة شديدة هل يمكن تصور اقتصاد به تيار نقدى وورقى باريعين مليار جنية و انتاج سلعى بمليار جنيه؟

هذا هو واقع الاقتصاد العالمى الربوى اليوم , وهذا يفسر ببساطة و بوضوح الازمات المالية و الاقتصادية على الاصعدة المحلية والعالمية, فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر و سوء توزيع الثروات بسبب ضغط الاقتصاد الورقى و محاصرته للاقتصاد العينى.

خامسا: عدم المتاجرة بالملكية

تقوم نظرية الائتمان او الاقراض الربوى على  اساس قيمة التمويل الذاتى او حقوق ملكية العميل المقترض فى النشاط الذى يملكه و يقدم اصوله المادية ضمانا للقرض , فكلما كانت حقوق الملكية كبيرة  كلما ازدادت امكانيات زيادة القروض لمثل هذا العميل , والعكس صحيح تماما فى حالة صغر حقوق الملكية , وذلك من الناحية المالية المجردة. ولكن مع زيادة جشع ومقامرة البنوك الربوية, اصبح بامكان المقترض اقتراض مبالغ تفوق قيمة حقوق ملكيته او راسماله فى المشروع بعدة اضعاف, بمعنى ان يحصل مدين راسماله مليون جنيه على قروض بخمسة ملايين جنيه , وهنا يكون المدين قد تاجر بملمكيته للمشروع و حصل على خمسة اضعاف قيمتها من اموال المودعين.

و تؤدى المتاجرة بالملكية او الروافع المالية الكبيرة الى التعثر فى سداد القروض , كما تؤدى الى ارتفاع التكاليف الاستثمارية و التشغيلية للمشروعات ومن ثم ارتفاع تكلفة انشاء فرص العمل و تزداد معدلات البطالة نتيجة لذلك بسبب عنصر الفائدة كمتغير كبير جدا فى هيكل التكاليف بسبب اختلال العلاقة بين راس المال المملوك و القروض.

أما الاستثمار او توظيف الاموال فى البنوك الاسلامية فلا يعتد بالمتاجرة فى الملكية ولا بالمتاجرة فى ادوات الدين , حيث يقوم على مبدا المشاركة و اقتسام المخاطر و توظيف المال مباشرة فى الاقتصاد العينى و الحقيقى.

ويؤدى  مبدا المشاركة و اقتسام المخاطر و توظيف المال مباشرة فى الاقتصاد العينى  الى تحجيم الاقتصاد الورقى و الى خفض التكاليف الاستثمارية للمشروعات والى اختفاء عنصر الفائدة تماما من هيكل التكاليف  التشغيلية للمشروعات مما يسهل زيادة فرص العمل المضافة للاقتصاد نتيجة تخليص هياكل التكاليف الاستثمارية و التشغيلية للمشروعات من اعباء الفوائد الربوية, حيث يحصل البنك على مقابل استثماره فى صورة ارباح فعلية لا تشكل اى اعباء على هياكل التكاليف ,لان الربح يعتبر عائد نهائى للنشاط , بينما تعتبر التكاليف اعباء على الربح و تحمل عليه قبل احتسابه , و ذلك طبقا للقواعد المحاسبية العلمية.

سادسا : عدم تمويل التضخم

نشأت الأزمة المالية العالمية اساسا بسبب تكالب البنوك الربوية على تمويل العقارات و منح القروض العقارية للافراد, ونتيجة لضخ القروض بكثافة فى القطاع العقارى فى الولايات المتحدة ارتفع الطلب بشكل غير طبيعى على العقارات , ونتيجة لذلك كانت اسعار العقارات فى ارتفاع كبير و مستمر بسبب الطلب المصطنع عليها نتيجة ضخ القروض المكثف فى قطاع العقارات والذى عرف باسم الفقاعة العقارية.

وأدى هذا الارتفاع فى  اسعار العقارات الى قيام البنوك باهدار قواعد الاقراض و منحت القروض العقارية لعملائها بنسبة 100% من قيمة العقار عند منح القرض و لم يسهم العملاء فى تمويل عقاراتهم باى نسبة, و اقدمت البنوك على ذلك لانها راهنت على ان  الارتفاع  فى اسعار العقارات سوف يستمر فى المستقبل و بنفس المعدلات و ربما بمعدلات اكبر , وبذلك تكون نسبة تمويلها للعقار الى قيمته السوقية مستقبلا اقل من 100% اى مايعرف باسم نسبة القرض للقيمة أىLTV

Loan to value

ويعنى ذلك ان البنوك مولت التضخم و لم تقدم تمويلا حقيقيا, و ما هى الا سنوات معدودة حتى انفجرت الفقاعة العقارية و عادت اسعار العقارات الى معدلاتها الطبيعية عندما توقفت آلة القروض العقارية عن الضخ فى قطاع العقارات و سقطت البنوك الكبيرة ذات الاسماء الرنانة فى دائرة الافلاس فى عدة ايام الى ان تدخلت الحكومات و انقذت البنوك الكبيرة من الافلاس باستخدام اموال دافعى الضرائب بينما تركت البنوك الصغيرة تسقط فى براثن الافلاس, ولم تتورط البنوك الاسلامية فى تمويل التضخم لأنها لا تمول الوهم.

سابعا: عدم انتاج التمويل الاسلامى لأعباء تمويلية

تقوم العلأقة بين البنوك الاسلامية و شركائها على مبدأ المشاركة و اقتسام المخاطر ولأ تقوم على مبدأ التسليف كالبنوك الربوية, لذلك تختفى تماما علأقة الدائن بالمدين فى الفكر المصرفى الأسلأمى كما اسلفت, و يترتب على ذلك عدم وجود مصطلح أعباء خدمة الدين فى الفكر المصرفى الأسلأمى سواء من الناحية المحاسبية المجردة او من الناحية الاقتصادية الفعلية, و يتضمن مصطلح أعباء خدمة الدين اقساط القروض المستحقة و قيمة الفوائد المستحقة خلال الفترات المحاسبية المختلفة طوال اجل القرض.

و تحمل فوائد القرض على قائمة الخل الخاصة بالمدين وتعتبر بمثابة تكلفة اضافية عليه ناتجة عن قيامه بالاقتراض, بينما تضاف هذه الفائدة لقائمة الدخل الخاصة بالبنك المقرض و تعتبر بمثابة ايراد ناتج عن قيامه بالاقراض.

و تتم هذه المعالجة المحاسبية للفوائد قبل احتساب الربح الخاص بالمدين المقترض , حيث تعد عبئا على ارباحه, كما تسدد اقساط القروض خصما من ايرادات المدين المقترض و تؤثر على صافى تدفقاته النقدية بالنقص لانها تعتبر تدفق نقدى خارج من النشاط .

وعصفت أعباء خدمة الدين هذه بملايين العملاء لعدم قدرتهم على السداد , لان السداد يكون مستقلا تماما عن نتيجة نشاطه من حيث الربح أو الخسارة طبقا لعقود وشروط القروض الربوية, فالبنك الدائن لا يعتد بقدرة العميل و يظل يلاحقه بشتى السبل الى ان يسدد او يفلس , وكم من البشر شردتهم الأزمة المالية العالمية من منازلهم لنهم عجزوا عن سداد اقساط  القروض العقارية الى ان قام دافعى الضرائب بالدفع نيابة عنهم بعد تفجر الازمة.

اما فى الفكر المصرفى الأسلأمى , فان الصيغ التمويلية لا تفرز اية أعباء تمويلية أو خدمة الدين لأن العلاقة علأقة مشاركة و ليست علأفة دائنية ولا مديونية.

و يترتب على ذلك ان التمويل الأسلأمى عديم التكلفة و اقل مخاطرة و يخلو من الاستغلال بشتى صوره, لان العائد يغل من النشاط و مرتبط به , كما يدفع من ارباح النشاط بعد تحققها , اما الاقساط فلا وجود لها هى الاخرى طالما  المشاركة قائمة, اللهم الا اذا اراد احد الطرفين فض المشاركة, فعندئذ يحصل كل طرف على نصيبه فى راس المال.

وهكذا نجت البنوك الاسلأمية من براثن الازمة المالية العالمية بفضل تطبيق الاركان السبعة الحصيفة الحاكمة للأستثمار فى الأسلأم , بينما سقطت البنوك الربوية فى اتون الازمة المالية العالمية2008,  فهكذا صنعت البنوك الربوية الازمة المالية العالمية , ولن تكون الازمة الاخيرة بطبيعة الحال طالما ظل الفكر الاستغلالى و الربوى قائما ويتجدد دائما بمسميات جديدة و براقة ليجعل العالم ينسى جرائمه المالية، كما نسى العالم الصندوق الاستثمارى الضخم الذى كان يديره احد الاقتصاديين الامريكان  و الحامل لجائزة نوبل فى الاقتصاد  والذى انهار فى نصف ساعة فقط فى اواخر التسعينيات بسبب الاستثمار فى الادوات المالية المركبة التى ابتكرتها مدرسة شيكاغو و التى ذاع صيتها حينذاك بانها ادوات الهندسة المالية او السحر المالى .

ولعل الأوان قد حان لتتولى البنوك و المؤسسات المالية الاسلامية الريادة المالية على المستوى العالمى لتخلص العالم باسرة من سيطرة القطاع المالى على مقدراته, بعد ان اصبح هذا القطاع عبئا كبيرا على كل من النمو الاقتصادى و الاستقرار المالى العالمى , ومع احترامنا لمجلس الاستقرار المالى العالمى المهيب, فان هذا الاستقرار المنشود لن يتحقق الا بتخليص العالم اولا من عمليلت الوهم المالى و المقامرة المالية.

ونشير الى يوم الخامس عشر من اكتوبر عام 2011 و الذى عرف بيوم الغضب العالمى من البنوك و الراسمالية العالمية, حيث خرج الملايين فى معظم دول العالم الرأسمالى للتنديد بممارسات البنوك الربوية و تحديدا وول ستريت وكر الفساد المالى العالمى , و لكن القمع كان سيد الموقف لان هذه الالة المالية الشرسة تنفذ أجندات تتخطى حدود المعاملات المالية بمراحل , إنها اداة من ادوات الهيمنة, ولكن كسرها سيكون بالايدولوجية السمحة للمعاملأت الاسلامية  باذن الله  ولكن الامر يتطلب جهدا كبيرا فى نشر ثقافة البنوك الاسلأمية وتبسيطها للجمهور عالمياّ , ولعل انتشار البنوك الاسلأمية الكبير و المتنامى بين غير المسلمين يبشرنا بقرب إنكسار هذا النظام المالى العالمى البغيض.

CNA– دراسة أعدها أحمد الألفى، الخبير المصرفى والمدير بأحد البنوك

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش