مقال .. حقيقة الجدوى الاقتصادية لقناة السويس الجديدة

AHMED ZAGHLOUL
أحمد زغلول

يشكك البعض فى الجدوى الاقتصادية لمشروع تفريعة قناة السويس الجديدة،بل إن ثمّة تقارير صدرت عن الحكومة تغذى هذا التشكيك،حيث أعلنت وزارة التخطيط فى الخطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة أن الإيرادات المستهدفة لقناة السويس خلال العام المالى الجديد 2015-2016 (أى فى ظل وجود التفريعة الثانية للقناة) تتمثل فى 5.5 مليار دولار بزيادة 2% فقط عن إيرادات قناة السويس القديمة وحدها فى العام المالى الماضى 2014-2015.

وبالطبع فإن مثل هذا الرقم يعد صادمًا لأولئك الذين كانوا ينتظرون أن تتضاعف الإيرادات بشكل سريع ، أو بأقل تقدير ترتفع بنسبة كبيرة نتيجة تدشين التفريعة الثانية ،كما أنه يعد صيدًا سمينًا للمشككين الذين يهرولون للتقليل من أى إنجاز للدولة ،نتيجة معارضة النظام السياسى ،ولو أن مثل هذا المشروع قد أقيم فى عهد سياسى يرتاح إليه هؤلاء،لوصفوه بالانجاز التاريخى غير المسبوق دون النظر لأيّة أرقام أو توقعات.

3444
نشاط قناة السويس،بحسب الخطة الاقتصادية الجديدة للدولة

لكن وبالنظر بشكل أكثر تعمّقًا فى مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس، سيتضح أن إسراع الدولة فى حفرها وتدشين العمل بها فى مدة عام واحد،من شأنه تحقيق مكاسب كبيرة ، أهمها تعزيز أهمية القناة وزيادة تنافسيتها،فى ظل خطط دولية متسارعة لخلق قنوات بديلة ومنافسة كان من الممكن إذا ما تم إرجاء حفر التفريعة الثانية للقناة أن تلتهم تلك المشروعات البديلة والمنافسة جزءًا من حصة مصر فى التجارة البحرية والتى تمر عبر قناة السويس،ومن ثم تقليص أهمية الممر الملاحى المصرى عالميًا.

ولو أننا نظرنا مثلًا إلى قناة بنما، تلك القناة التى تستوعب نحو 5% من التجارة العالمية، فإنها كانت ستدخل منافسة قوية مع قناة السويس( الأكثر أهمية بحصة 12% من التجارة العالمية)،نظرًا لخطة أطلقتها الحكومة البنمية وبعض المؤسسات العالمية ،تستهدف إطلاق مشروع ضخم لتوسعة قناتها حتى تستوعب حصة أكبر من التجارة البحرية العالمية ،واستقبال السفن العملاقة،وكان مقررًا أن يبدأ هذا المشروع  مع حلول عام 2016.

وبحفر التفريعة الثانية لقناة السويس وبدء مرور السفن بها قبل نهاية 2015، فإننا نكون قد سبقنا فى التطوير،وأبعدنا المنافس عن حلبة المصارعة قبل أن تبدأ المباراة،لذا فإن إنشاء التفريعة الجديدة سيضمن الحفاظ على حصة القناة من التجارة البحرية،بل ويفتح لها المجال لإجتذاب جزءًا من التجارة العابرة عبر قناة بنما.

و تبرز المنافسة بين قناة السويس وقناة بنما فى  نقل البضائع بين آسيا وأمريكا الشمالية خاصة ولايات الساحل الشرقي، حيث توجد ثلاثة طرق رئيسية تربط بين المنطقتين هي  قناة بنما، وقناة السويس، بالإضافة إلى الطريق الملاحي عبر المحيط الهادئ المرتبط بنظام النقل متعدد الوسائط عبر الولايات المتحدة وكندا، حيث تتجه الحاويات والبضائع القادمة من الموانئ الآسيوية إلى موانئ الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، ثم عبر الخطوط والسكك الحديدية والطرق البرية صوب الساحل الشرقي.

ونظرًا لعدم توسعة قناة بنما ،بالشكل المناسب فى السنوات الماضية، تصاعد الاعتماد على هذا الممر الأخير خاصة بالنسبة للسفن الضخمة التي لم تكن تستطيع عبور قناة بنما، ونظرًا إلى تكدس موانئ الساحل الغربي الأمريكي، فضلت العديد من سفن الحاويات التي يتعدى حجمها ما تسمح به قناة بنما والتي يطلق عليها Post Panamax استخدام ممر قناة السويس باعتباره الأكثر ملاءمة من حيث الوقت وتكلفة النقل.

وطبقً لدراسة أعدها الخبير الاقتصادى الإيطالى ماسيمو ديندرياس ،فإن التفريعة الثانية لقناة السويس ،ستعزز من تنافسية القناة بدرجة كبيرة بما يجعلها تستوعب 25% من حركة الملاحة التجارية التى كانت تعبر من خلال قناة بنما.

ومع إطلاق التفريعة الجديدة سيزيد الاعتماد على قناة السويس،وإن لم يظهر ذلك فى إيرادات القناة خلال العام المالى الجارى ،نظرًا لسبب رئيسى وهو تباطؤ التجارة العالمية، فإنه سيظهر على المدى المتوسط والطويل،مع تحسن التجارة عالميًا،وتعافى الاقتصاد العالمى.

وتشير توقعات منظمة التجارة العالمية إلى أن نسبة نمو حركة تجارة السلع خلال العام الجارى ستكون فى حدود 3.3% بنهاية العام الجارى ،تصعد إلى 4% فى 2016 ، إلا أن هذا النمو جاء أدنى من توقعات سابقة كانت تشير إلى زيادة ملحوظة فى التجارة العالمية،لكن بالنظر إلى المدى المتوسط والطويل للتجارة العالمية فإن هناك تفاؤلًا بذلك لاسيما فى ظل الإجراءات التى تتخذ لحل مشكلات منطقة اليورو،وتوقعات بنمو متزن ومتسارع لاقتصادات كبرى فى العالم مثل الاقتصاد الصينى.

ومن المؤكد أن التفريعة الثانية لقناة السويس، ستكبّل الطموح الاسرائيلى ، فى إنشاء قناة موازية لقناة السويس،حيث كانت التلويحات لا تتوقف خلال السنوات الماضية،عن اعتزام تل أبيب تدشين قناة موازية لقناة السويس ،وإفقاد مصر عنصرًا هامًا فى ثقلها العالمى.

وبجانب أهمية التفريعة الجديدة التى تكمن فى مواجهة كل التحديات العالمية، فإن هناك مزايا ومكاسب كبيرة ستتحقق نتيجة إتمام هذا المشروع، أولها زيادة إغراء العالم بمشروعات محور قناة السويس، ذلك المشروع الضخم، الذى تم الإنتهاء من إعداد المخطط الاستراتيجى له والذى يشمل 42 مشروعًا عملاقا، ما بين موانىء ومطارات ومراكز لوجيستيه،ومناطق صناعية ،وغيرها،ومن المتوقع أن يوفر مئات الاف من فرص العمل إن لم تكن ملايين.

وبالنظر أيضًا إلى طريقة الاحتفال بافتتاح القناة ونجاح إدارة البلاد فى دفع رؤساء وملوك دول للمشاركة فى تدشين العمل بالتفريعة الجديدة ،فهو أمر يفتح المجال لتوطيد العلاقات الدولية،واجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، كذا فإنه يزيد ثقة العالم ( حكومات ومستثمرين)  فى الإدارة المصرية،ويدعم عودة السياحة بقوة.

CNA– مقال ،، أحمد زغلول ، كاتب صحفى متخصص فى الشأن الاقتصادى

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش