(مقال) .. فلول سوق الصرف السوداء

ALALFY
أحمد الألفى

بالرغم من نجاح البنك المركزي في التخلص من السوق السوداء للعملات الاجنبية من خلال الاجراءات التى اتخذها مؤخرا بدءا من تحديد سقف للايداع اليومى و الشهرى التراكمى لايداعات الافراد و الشركات بالبنوك و انتهاءا بتطبيق قواعد اعرف عميلك ( KYC )على ايداعات النقد الاجنبى بالبنوك  لاحكام الحصار على تجار العملة الاجنبية الذين لا تروقهم هذه الاجراءات  بالطبع , الا أن معاملات السوق السوداء لم تنتقل الى الجهاز المصرفى بالكامل و لازال يتسرب منها الكثير خارج الجهاز المصرفى برغم ارتفاع موارد العملات الاجنبية بالبنوك بمعدل  50% بعد محاصرة البنك المركزى لتجارة السوق السوداء للعملات الاجنبية.

وترجع أسباب عدم تحول معاملات السوق السوداء بالكامل  للجهاز المصرفى برغم اصدار البنوك المصرية لأوعية ادخارية متنوعة بالدولار الامريكى تصل اسعار العائد عليها الى 4.5% سنويا الى عدة أسباب أهمها:-

1- السماح القانونى للافراد بحيازة العملات الاجنبية و تحويلها الى الخارج نقدا cash ( أى بصحبة المسافر) بحد أقصى عشرة الاف دولار أمريكى أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الاخرى ( وذلك طبقا لقانون البنك المركزى و الجهاز المصرفى و النقد رقم 88 لسنة 2005 و تعديلاته )،وهذه الفئة تشكل قوام المتبقى من الطلب على السوق السوداء للعملة الاجنبية ،ويدخل ضمن هذه الفئة الحجاج و المعتمرين الذين يطلبون الريال السعودى ، كما  يشكل قوام المتبقى من عرض على السوق السوداء للعملة الاجنبية  تحويلات المصريين بالخارج ولا سيما التحويلات ذات القيم الصغيرة و ذات  الطبيعة المتكررة و التى يحولها العاملين بالخارج بشكل دورى لأسرهم  و ذويهم فى مصر لمواجهة متطلباتهم المعيشية.

ولاشك أن معاملات هذه الفئات ليست بالقليلة وتؤثر فى سوق الصرف الاجنبى فى مصر نظرا لأن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تقدر بحوالى عشرين مليار دولار و يأتى جانب كبير منها بصحبة المصرى من العائد  الخارج نفسه أو بصحبه معارفه و أصدقائه لتوصيلها الى أسرته , ومن ثم لا تدخل ضمن المنظومة المصرفية الرسمية و تذهب الى تجار العملة ومنها يتم تمويل سياحة المصريين بالخارج وفى مقدمتها السياحة الدينية كالحج و العمرة و التى لا تتوقف على مدار العام و تبلغ ذروتها فى شهور رجب وشعبان و رمضان و ذى الحجة.

و يجب على البنوك التى تتحدث كثيرا  هذه الايام عن الشمول المالى أن تضع استراتيجية عملية لادراج هذه الاموال ضمن المنظومة المصرفية بتسهيل اجراءات فتح الحسابات و الحد من الرسوم المرتفعة لفتحها  و نسف ظاهرة التكدس فى صالات البنوك لانهاء المعاملات المصرفية و التى لم تفلح التكنولوجيا المصرفية  الحديثة فى الحد منها , مع تكثيف الحملات الدعائية لحملة لازم يكون لك بنك بشرط تيسير اجراءات المعاملات المصرفية التى تعقدت كثيرا بعد تحكم ادارات غسل الاموال و التطابق و الالتزام بالبنوك فى انسياب وتدفق العمليات المصرفية  , و ذلك بالتطبيق الخاطئ  و المتسلط أحيانا لقواعد اعرف عميلك , ومن ثم يستغرق ابرام المعاملات المصرفية وقتا أطول من اللازم , لذلك فالطوابير المصرفية باتت تفوق طوابير العيش طولا و أمدا .

2- معاملات الجهات المصرح لها قانونا  – بخلاف البنوك – بالتعامل فى النقد الاجنبىى كالجامعات الأجنبية والمدارس الدولية و شركات السياحة و الملاحة و الطيران و المصدرين  وهى معاملات ليست قليلة و مؤثرة فى سوق الصرف الاجنبى فى مصر , و نأمل تعديل القانون لتتم هذه المعاملات التى تفرضها طبيعة عمل هذه المؤسسات بالنقد الاجنبى سحبا و ايداعا عبر حسابات مصرفية بالبنوك و ليس نقدا خارج الجهاز المصرفى.

3- العمليات غير المشروعة كعمليات  تمويل تجارة السلاح والمخدرات وتمويل الأرهاب تعتبر السوق السوداء للدولار المكان الملائم و الملاذ الأمن  لتعاملاتهم , وتختص الاجهزة الامنية و ليست المصرفية بملاحقتهم , لان هذه الاموال القذرة لا تتعامل مع المنظومة المصرفية الرسمية, ويجب تغليظ العقوبات على هذه الجرائم لتكون الاعدام و مصادرة الاموال.

4-  مدفوعات بطاقات الائتمان بالعملات الاجنبية و التى تستخدم على نطاق غير محدود  فى سداد عمليات الشراء عبر الانترنت والتى تزداد مع التوسع المحموم من جانب البنوك فى منح القروض الشخصية الاستهلاكية لكافة فئات المجتمع, ومع تفشى عوامل القليد و المحاكاه و الفشخرة الاجتماعية تشكل هذه المدفوعات ضغوطا على الدولار مما يستلزم تحجيمها بتحديد نسبة  مقطوعة و غير دوارة من حد البطاقة لا تزيد عن 25% منه للسداد بالعملات الاجنبية.

ويهاجم السادة المستوردين و تجار السيارات و أصحاب المصالح اجراءات  البنك المركزى ولا يهمهم الا مصالحهم الضيقة فقط و الحصول على الدولار و بأى سعر حتى ولو كان من الشيطان لاستيراد أى شئ طالما سيتحمل المستهلك فاتورة خراب الاقتصاد , ونشير الى استغلال قضية الدولار من جانبهم لرفع الاسعار بمعدلات  مضاعفة تفوق قيمة ارتفاع الدولار و انخفاض قيمة الجنية المصرى.

ويتطلب ضبط  سوق الصرف و القضاء على السوق السوداء الى الأبد  مزيد من الاجراءات المعززة لاجراءات البنك المركزى أهمها:-

1- تعديل قانون  البنك المركزى و الجهاز المصرفى و النقد رقم 88 لسنة 2005  وذلك بتخفيض الحد الاقصى للسماح القانونى للافراد بحيازة العملات الاجنبية و تحويلها الى الخارج نقدا cash من عشرة الاف دولار أمريكى أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الاخرى الى خمسة  الاف دولار أمريكى أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الاخرى , وما زاد عن ذلك يتم من خلال المنظومة المصرفية, حيث سيقلص ذلك  كثيرا من حجم تعاملات شركات الصرافة  لأنها هى التى تدبر هذه العملات للافراد .

2- قصر تمويل الاستيراد على الجهاز المصرفى فقط , وقصر نشاط شركات الصرافة على تمويل الاحتياجات الشخصية للافراد.

3 – حماية  المدخرات  بالبنوك والجنيه المصرى بسعر فائدة موجب وحقيقى للحد من الدولرة لأنه لم يعد مستودع للقيمة  فى ظل أسعار الفائدة السارية على الودائع و التى لا تعكس معدلات التضخم المرتفعة

4- حجب الائتمان عن مستوردى السلع التامة و الكمالية للحد من قدرتهم الاستيرادية  لالزامهم بالاستيراد فى حدود امكانياتهم التمويلية الذاتية لتحجيم طلبهم على الدولار.

5- رفع عمولات المستندات برسم التحصيل لتكون ضعف عمولات فتح الاعتمادات المستندية لتنشيط الاستيراد بموجب فتح الاعتمادات المستندية التى تمنح البنوك أمد لتدبير العملات الاجنبية مقارنة بالاستيراد المفاجئ بالية المستندات برسم التحصيل التى تربك البنوك و تحد من قدرتها  التنظيميةعلى تدبير العملات الاجنبية لعملائها.

ولكن سيظل العجز فى الميزان التجارى المصرى بمثابة  بيت القصيد و المصدر الاولى و الأساسى لقصور موارد  النقد الاجنبى نتيجة لسياسات اقتصادية قاصرة حولت الاقتصاد المصرى الى اقتصاد استيرادى عشوائى يستهلك ضعف ما ينتج و يعتمد على العام الخارجى بشكل مفرط وعلى موارد غير مستقرة من النقد الاجنبى تتصف بالتذبذب الشديد كالسياحة و تحويلات العاملين بالخارج.

مقال بقلم – أحمد الألفى ، الخبير والمحلل المصرفى المصرى

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش