مقال .. متى يدركون أن بترولنا ثروة العمر؟

OSMAN ELKHOITER
عثمان الخويطر

متى يدرك الطامعون في ثرواتنا أن بترولنا، مهما بلغ حجمه، هو ملك لنا ومصدر حياة أجيال وليس كأي سلعة مصنعة أو من إنتاج زراعي مستدام، كما هي الحال بالنسبة لأغلب دول العالم؟ وأنه من حقنا كدول مستقلة (الممكلة العربية السعودية) أن ننتج منه الكمية التي تفي بحاجاتنا الضرورية وتطيل عمر ثرواتنا الناضبة، دونما مراعاة لأي ظروف أخرى لا تخدم مصالحنا.

ولكن ليس هذا ما يؤمن به من لا يفهم طبيعة حياتنا وتراثنا الاجتماعي وظروف معيشتنا وقحط بلادنا الصحراوية. فهم يرون أن احتفاظنا بثروتنا الوحيدة وتقنيننا لإنتاجها لا يعدو عن كونه نوعا من أنواع الاحتكار الذي يحلو لهم محاربته حتى ولو كان على أرض غير أرضهم، أو هكذا يظنون. وهذا لا يعجبهم، لسبب بسيط، وهو أنه لا يتفق مع فلسفتهم ونظرتهم إلى طرق استثمار الأموال.

ونقول لهم فليكن ذلك، فهذه أمور تخص شؤوننا الخاصة حتى ولو لم تعجب من لا يعجبه العجب؟ أقول هذا الكلام بعد أن أنصت إلى محاضرة طويلة كان يتحدث فيها الاقتصادي المعروف، ريتشارد وولف، من خلال اليوتيوب، تحت عنوان، “لماذا تنخفض أسعار البترول والغاز؟” والرجل، بحق، متحدث مفوه، ويظهر من مضمون حديثه أنه من منتقدي النظام الرأسمالي المعمول به في الدول الغربية وبعض الدول الأخرى، رغم أن الرجل أمريكي اللهجة.

أما الذي لفت نظري في محاضرته، فهو إصراره على أن منتجي البترول، وعلى رأسهم السعودية بطبيعة الحال، يجب عليهم إنتاج أكبر كمية ممكنة كلما دعت الحاجة والضرورة إلى قمع ارتفاع أسعار البترول.

يريد منا السيد وولف أن نحرس الأسعار العالمية على حساب مستقبلنا وندفع الفرق من حلالنا. وسؤالنا له، ما دوركم أنتم في هذا المجال؟ ولا نعلم هل هو خطأ في الرؤية وعدم تقدير لظروف كل دولة حسب وضعها الاقتصادي والاجتماعي؟ أم أنه استعلاء وتكبر، على أساس أن معظم الدول المعنية هي في نظرهم وحكمهم صغيرة، ومن ضمن ما يسمونه بالعالم الثالث؟ ويا ترى، ما قيمة العلوم الاقتصادية التي تعلمها وحصل عليها من الشهادات العليا ومارسها إذا كان لا يفهم أو لا يدرك أن شعوب دول الخليج تعيش على أرض صحراء مقفرة، لولا الله، سبحانه وتعالى، ثم الثروة البترولية التي نزلت علينا بركاتها من السماء لكانت هذه الشعوب اليوم في عداد المفقودين لا قدر الله؟ .

وأن طبيعة حياتهم العصرية، مع توافر المال والدخل الرخيص، لا تشجع على إيجاد إنتاجية الفرد الذي يساعد على تنويع الدخل تأمينا للمستقبل المجهول، بدليل إسرافهم في استقدام عشرات الملايين من العمالة الأجنبية، التي نسبة كبيرة منها تقوم على خدمتهم وتعزز رفاه حياتهم.

ويا ليت المحاضر، السيد وولف، توقف عند هذا الحد من عدم وضوح الرؤية وانتقل إلى موضوع آخر، بل تطرق إلى ما سماه الجشع المالي الذي وصفنا به ويتهمنا بممارسته، حسب رؤيته، لأننا، في نظره لا نعدو عن كوننا حفنة من البشر تجمع ثرواتها الطائلة من الغني والفقير حول العالم وتعيش حياة مرفهة على حساب بقية الشعوب. ويقصد أننا ننتج البترول بتكلفة متدنية ونبيعه بأغلى الأسعار.

وهو قد يعلم أو قد لا يعلم، أننا لا نقرر الأسعار العالمية، بل الذي يقرر مستوى الأسعار هو العرض والطلب. وأقول يا سبحان الله، من الذي يسيطر على التجارة العالمية وعلى أرزاق خلق الله وينهب أموال الفقراء بشتى الطرق ويعيش ما فوق الرفاه؟ هي الدول الصناعية التي تشتري مقومات صناعاتها من المواد الأولية من دول فقيرة بسعر بخس ثم تصنعها وتعيدها إليهم بأسعار باهظة.

وهل يجهل السيد ريتشارد وولف، وهو الاقتصادي المخضرم، أن معظم الدول التي تصدر منتجات صناعية وزراعية من المركبات إلى المواد الغذائية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، لا تطرح بضائعها في السوق الدولية إلا بمقدار، خوفا من الإغراق ومن ثم انخفاض الأسعار؟ مع أن أحوالهم المعيشية ومستقبل اقتصادهم أفضل منا بكثير.

وقد يكون التقصير في عدم إيصال المعلومة الصحيحة التي تعكس حقيقة ظروفنا يعود إلى الغياب التام لإعلامنا الذي من المفترض أن يكون له دور بارز وفاعل للتعريف بظروفنا وأحوالنا ومستقبلنا.

ونحن لا ننكر أننا جزء من هذا المظهر الذي يصفوننا به من الرفاه ورغد العيش، بدليل أننا نسرف في جميع شؤون حياتنا وكأن الأمور الحالية ستدوم لنا إلى الأبد. ولم نفكر جيدا ولا جديا بمصير أولادنا وأحفادنا عندما ينخفض دخلنا، ليس بسبب نزول الأسعار كما هو حاصل اليوم لظروف طارئة، ولا لفكرة الاستغناء عن البترول التي يتردد ذكرها في الإعلام، بل لنضوبه الطبيعي نتيجة لإسرافنا في إنتاجه. أي انخفاض كمية المحصول وارتفاع تكلفته. وهذه مسؤوليتنا دون غيرنا، أن نعد شعوبنا للمستقبل المجهول ولا نستمر في وضعنا الحاضر الذي يتمثل في الركون إلى الراحة.

CNA– مقال بقلم ،عثمان الخويطر ،نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً

[box type=”info” ] مقالات الاستاذ عثمان الخويطر تُنشر أيضًا بجريدة “الاقتصادية” السعودية[/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش