مقال| أخى المواطن .. ادّخر ولا تتبرع

محمود يوسف

نعم ادّخر .. أول رد سأسمعه ” ندخر ايه هو بقى معانا فلوس” .. آسف أن أقول لك أنه يُمكنك أن تدخر وتستثمر وتتبرع إن أردت بدون تكلفة ، انها خدعة الرأسمالية التى طبقنا أحد طرفيها وهو فتح المجال  للقطاع الخاص لتحديد وجهة الدولة ولكن دون رقابة سواء حكومية أو غير رسمية مثل جهاز حماية المستهلك كما هو مطبق فى جميع الدول الراسمالية.

ولكننا سهلنا الاستيراد  وأغلقنا مصانعنا أو خسرناها حتى تقفل أبوابها ويتم بيعها ، فى الوقت نفسه الذى نبحث فيه عن تجارب غيرنا الزراعية رغم أننا فى الأساس تجربة زراعية متفردة عبر التاريخ و لكن السؤال اذا كنا سنستورد كل احتياجاتنا من الخارج بماذا سندفع ثمنها و من أين ستاتى النقود وماهى ايراداتنا ؟.

وبالطبع جميعنا رأينا على مدى الأعوام الماضية توحش اعلانات التبرعات و البيئة التجارية التى سادتها فقد اصبحت عمل ( بيزنس )  تقوم شركات الاعلانات بانتاج الاعلان وتحصل على نسبة من التبرعات فى صفقة  وجدت فيها شركات الانتاج الاعلانى مصدر ربحية ورأت فيها المؤسسات التى يتم التبرع لها انها تحقق زيادة فى التبرعات و هنا نجد اننا  ذاهبون الى انشاء ما يسمى قطاع التبرعات فى هذه الدولة و هذه ليست سخرية فالتبرعات ليست عيبا سواء دينيا او اجتماعيا او علميا …. الخ ، لكن هذا القطاع قد يكون مفيدا  اقتصاديا لو احُسن استخدامه من خلال ضخ اموال فى صندوق استثمارى يقوم بمساعدة المشاريع الصغيرة و المتوسطة و متناهية الصغر من خلال الانشاء و التدريب و التسويق.

ويمكن من خلال المساهمات فى هذا الصندوق نقضى على جزء من البطالة و تؤول  الارباح بشكل مستدام الى الهيئات الخيرية ( كل حسب اولوياته ) و بالتالى يتم استثمار الاموال و تقليل البطالة و اعادة تشغيل مصانع  و هنا سيتم ربط المنتج المحلى بالمستهلك المحلى و ستذهب السياسة الانتاجية بعيدا الى تطوير الصناعة من خلال تبنى كل الافكار الخاصة بالمخترعين المصريين فى كل المجالات و من شان ذلك ان ينشىء قاعدة صناعية جديدة

أما فكرة كيف تدخر فستكون شرارتها من الطبقة المتوسطة بالتحديد و كل من يتعامل مع الدفع الفورى او بطاقات الائتمان او كروت المرتبات او حتى الشحن على الهواء و ما الى ذلك من وسائل الدفع الالكترونى و التى يتبقى فيها  بعض الجنيهات و التى قد تراها او يراها معظم المصريين لاقيمة لها ، و لكن هى بتجمعها فى مصدر تمويلى واحد يحقق لها  الارقام التى تستطيع بها مساعدة و بناء المشاريع و مع استمراريتها ستصبح احد الكيانات الاقتصادية الهامة .

و نعطى المثال :-

تصور أن مليون مواطن تحمس أن يوفر من خلال هذه المعاملات كحد ادنى شهرى 30 جنيه شهريا و حد أقصى 100 جنيه

معنى هذا أنك سيكون لديك على الاقل

الحد الادنى: مليون جنيه يوميا – 365 مليون جنيه سنويا

الحد الاقصى: أكثر من 3 ملايين جنيه شهريا – 1.2 مليار جنيه سنويا

وليس التبرع فقط للطبقة المتوسطة فأنا اتحدث عن السهولة وعدم وجود اعباء او مشاوير و لكن  تظل الطبقة ما تحت المتوسطة فاعلة فى هذا الصندوق من خلال مدخراتها الصغيرة التى لم تعد ترى فيها انها ستحقق لها اى عوائد و لن تذهب بمدخراتها الصغيرة الى البنوك او البريد و ايضا مع وجود هذة النسبة المرتفعة لاسعار الفائدة على الاقتراض لن يتحمس احد  لعمل مشاريع لعدم ضمانة  النجاح بسبب تكبيل المشروع بنسب فائدة مرتفعة لن يستطيع ان يدفعها وقد يتعثر وتصدر ضده احكام بالسجن

واذا لم تكن اقتنعت بالفكرة عزيزى القارىء فاسال معك بعض الاسئلة :-

  • كم تدفع لابنائك فى الدروس الخصوصية سواء تعليم عام او خاص ؟
  • هل تضمن بعد هذه التكلفة العالية التى تدفعها لتعليم اولادك ان تجد لهم وظائف ؟
  • هل تضمن ألا تتآكل مدخراتك مع ارتفاع الاسعار و ارتفاع الضرائب و الرسوم ؟
  • هل تضمن قدرتك على تامين مستقبلك و مستقبل اولادك ؟
  • هل الاستثمار يأتى فقط من المستثمرين ام تحول الامر الى شركات و صناديق ؟
  • هل تضمن قدرة الدولة على مراقبة الاسواق و حماية المستهلك من الممارسات غير الضارة و غش البضائع و احتكار السلع ؟

اذا كانت الاجابة “لا” فى معظم الردود فإننا يجب أن نشرح الفكرة بشكل آخر، انت تعلم اولادك ليكونوا قادرين على الدخول الى سوق العمل و يستطيعون المنافسة ولكن أين مع نقص المشروعات وقلة الوظائف مع وصول معدل البطالة ( الرسمى ) إلى 12 %.

قد يكون هذا الصندوق  ( غير المكلف ) وبجنيهات قليلة جزءا من الحل وقاطرة لبناء الثقة فى هذا الاطار وعلى مدى سنوات وايضا مع استمرار عجز الموازنة و عجز الايرادات واستمرار مسلسل الديون ( المجبرة عليه الحكومة حاليا ) ستكون المشكلة اصعب على الجميع سواء  حاليا من الشباب او متوسطى العمر بسبب عدم وجود عوائد و ارتفاع الديون وهو ما ينذر بأوضاع اقتصادية غاية فى الصعوبة كما ان وجود كيان انتاجى داخل الاقتصاد يزيد من المنافسة لصالح المستهلك مما يقلل من الاحتكارات الحالية و الفجوات بين الدخول و الطبقات فى مصر .

وأخيرًا “الإدخار” هو بداية الاستثمار ولكن المسئولين على مدى سنوات تجاهلوا عمدا او عن غير قصد او عدم معرفة فكرة تجميع المدخرات بنظام الاكتتاب و قدرتها على الاضافة الى حجم الاقتصاد فى مقابل الاهتمام   برجال الاعمال و المؤسسات الكبرى مع انك لو تابعت الاخبار ستجد  ان من تحاول الحكومة جذبة للاستثمار و عمل مشروعات هى شركات بالاكتتاب او صناديق تقوم بتجميع المدخرات .

وإذا كنا كما يقولون تأخرنا فى رفع الدعم و تطبيق الاصلاحات الاقتصادية فدعونا نصنع البديل الاقتصادى و القانونى و الاستثمارى الذى يساعد المصريين على عمل مشروعات تنموية لن يقبل عليها المستثمر الخاص لقلة عوائدها او لطول فترة استرداد الارباح ، و اذا كنا نروج  اننا عوائد الاستثمار فى مصر من اعلى العوائد فى العالم، فليكن للمصريين جزء جيد من هذه الارباح خصوصا مع اصدار  قانون الاستثمار الجديد و الذى قد يكون لاول مرة ساوى بين الاستثمار المحلى والاجنبى وهذا هو التوقيت الافضل لنتحدث عن الوطنية التى تدفع للامام لمصلحة الجميع نحن وأولادنا وبلدنا.

CNA– بقلم ،، محمود يوسف

[box type=”info” ]الكاتب.. إعلامى يعمل مديرًا لإدارة النشرات الاقتصادية بالتليفزيون المصرى [/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش