مقال| فى بيتنا تضخُّم !

محمد عبد العال

إذا اكتشفت أن راتبك الشهرى لم يعد كافيا كما تعودت من قبل، أو أنك تنفق المزيد بالسحب من مدخراتك الشخصية، أو العائلية، حتى تتمكن من تغطية متطلبات  اسرتك من طعام وسكن وعلاج  وتعليم  …الخ .

أو إذا لاحظت أنك غير قادر على الإطلاق على شراء بعض السلع أو الخدمات التى كنت بدخلك الحالى تستطيع من قبل شراءها بسهولة  ، واخيرا اذا وجدت ان السيدة حرمكم  قد تغير حالها من البهجة والسعادة الى العبوس والاحباط ، وتكرر منها ومن اولادها نوع من الالحاح   المستفز مطالبين تكرارًا  ومراراً بزيادة مصروف المنزل ومصروف الاولاد، لمواجهه غلاء المعيشة القائم  .

اذا حدث لك كل او بعض تلك المظاهر، أو ما  شابهها، فاعلم يقينا ، ان فى بيتكم الآن زائر ثقيل الظل  ، هذا الزائر اسمه ” التضخم ” وهو السبب فى ان كمية النقود التى فى جيبك لم تَعُد كافية لتشترى بها  ذات الانواع والكميات والصفات التى كانت توفرها أو تدبرها من قبل.

واذا سألت عن هوية هذا الضيف الثقيل  ” التضخم ” سيقول لك خبراء الاقتصاد انه المُعَبِرْ عن الارتفاع المتتالي، والمتدرج، فى اسعار السلع والخدمات، إن هذا الزائر، موجود الآن فى منازل معظم دول العالم.

لقد  اخترق هذا الضيف منازلنا   بدون استئذان  متسللا بين طيات موجات ارتفاعات الاسعار  العاتية التى صاحبت جائحة كوفيد 19 ، ثم الصدمات السعرية المصاحبة  لتدعيات  الحرب الروسية الاوكرانية،  ثم  اكتسب التضخم قوة دفع جديدة نتيجة ضغوط هبوط  سعر الصرف الذى يتحرك بمرونة ، وأصبح التضخم  سرطانيا  يولد موجات من الغلاء قادمة من الخارج، تضاف عليها ومعها غلاء نتيجة انخفاض سعر صرف العملة الوطنية.

تقوم الدولة ووزارة الماليه والبنك المركزى المصرى،  كلٍ  يبذل جهدة  ، لترويض هذا الضيف بكل ادوات السياسة  النقدية،  والماليه  ، وحزم الدعم الاجتماعى ، ولكن عل الجانب الاخر فنحن نعلم  يقينا ان المواطن لم يكن مسؤولا  عن هذا الوضع بشكل مباشر.

ولكن إلى جانب الجهود الحكوميه فيمكن نحن كمواطنين أن نسعى  كلٍ على قدر امكانياته وظروفه ، ودول كثيرة تشجع مواطنيها على تطبيق  استراتيجيتين للتخفيف من حدة ظواهر مثل التضخم، الأولى تستهدف  التزام معظم الناس  بدون اى ضغط أو إجبار ولكن برغبتهم الشخصية  ورضاهم الكامل ، بخفض فوري جاد من  استهلاكهم بمقدار 25%  لكل انواع السلع والخدمات ،فيما عدى  بالطبع ، متطلبات  اطعمه الاطفال والادويه.

والثانية هى  التوجه الى استخدام كل شيئ قديم  خاصة الملابس بكل انواعها والسيارات،  وتوفير كل جنيه لاستخدام  أو ادخار أو استثمار  آخر ، مثل تلك الحلول هى حلول مؤقتة، ولكنها قد تساعد على  الاقل فى التخفيف المتدرج، لظاهرة التضخم، بدون التاثير السلبي على معدلات النمو والتشغيل.

اننا لا نقصد اطلاق شعارات تنادى  بربط  الاحزمه علي البطون ، ولكن كل ما نقصده ، هو اهمية الانتباه الى ضرورة تغير  نمط استهلاك الناس ، ليتحولوا الى بدائل السلع الارخص والاقل وزنا  ، واستخدام السلع والادوات المُعاد اصلاحها وصيانتها ، وان يكون لدينا شركات ـ  بدأت تنتشر فى كل دول العالم مؤخرًا  متخصصة فى تدوير كل ما هو قديم من سلع معمرة وغير معمرة  فى نطاق نشاط اقتصادى جديد فرضته الازمات العالميه المعاصرة اسمه الاقتصاد الدائري.

لقد فرضت الصدمات التى واجهتها كل دول العالم اهميه بل ضرورة إعادة ترشيد وتغير نمط وثقافة ونزعتنا الاستهلاكية لكى يمكن أن نتوافق مع الظروف الاقتصادية الراهنه الصعبة و نتخلص فى اقرب فرصة من هذا الضيف الثقيل ” التضخم”.

CNA– مقال بقلم الخبير المصرفي: محمد عبد العال

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش