مقال .. استقلال البنوك المركزية

ELALFY 234
أحمد الألفى

لقد حظى موضوع استقلال البنوك المركزية بإهتمام الفكر الاقتصادى والسياسى خلال القرن العشرين ، ومازال يحظى – وسيظل – بهذا الاهتمام الذى أصبح يتنامى بمعدل متزايد وأسفر هذا الاهتمام عن إجراء العديد من الدراسات التطبيقية عن دور البنوك المركزية وأدائها فى ظل كل من الاستقلال والتبعية. 

الحقيقة أن البنوك المركزية فى جميع دول  العالم بأنظمته الاقتصادية المختلفة لا تتمتع بدرجة واحدة من الاستقلال عن كل من السلطة التنفيذية والسياسية حيث تؤثر درجة التقدم الاقتصادى للدولة على مدى إستقلالية بنكها المركزى من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الدول الرأسمالية المتقدمة لا تتمتع بنوكها المركزية بدرجة استقلال واحدة ، بل تختلف فيما بينها بالرغم من خضوع مثل هذه الدول لدرجة واحدة من التصنيف الاقتصادى ، ففى الولايات المتحدة وألمانيا يتمتع البنك المركزى بالاستقلال الاقتصادى والسياسى عن السلطة التنفيذية ، وعلى النقيض فى كل من اليابان وفرنسا يخضع فيهما البنك المركزى للسلطات التنفيذية والسياسية بقدر ما.

و جوهر قضية إستقلال البنوك المركزية يتبلور فى أن إستقلال البنوك المركزية ليس غاية فى حد ذاته بل مجرد وسيلة تكفل للبنوك المركزية أداء وظائفها الفنية بعيداًعن تدخلات وضغوط السلطات التنفيذية والسياسية وتكتلات الضغوط المختلفة فى المجتمع ، فهذا الإستقلال يؤهل البنوك المركزية لأداء وظائفها بكفاءة أكبر بالمقارنة بمستوى أدائها لوظائفها فى ظل تبعيتها للسلطات التنفيذية والسياسية وجماعات الضغوط والمصالح المختلفة فى المجتمع.

ومن أهم الإختصاصات التى يتنازعها البنك المركزى مع السلطة التنفيذية فى ظل تبعية البنك المركزى إختصاص صياغة وإدارة السياسة النقدية التى تعد إختصاص أصيل للبنك المركزى ، ولكن فى ظل تبعية البنك المركزى للسلطة التنفيذية والسياسية. يسلب منه اختصاصه هذا كلياً أو جزئياً وفقاً لمدى تبعية البنك المركزى للسلطة التنفيذية والسياسية.

وإستقلال البنك المركزى ليس غاية فى حد ذاته ، بل وسيلته تكفل للبنك المركزى القيام بوظائفه بكفاءة أكبر ليس إلا ، فالبنك المركزى لايعمل فى جزيرة منعزلة عن الاقتصاد القومى وبالتالى لايعنى إستقلاله بأى حال فصله عن نسيج الدولة التى ينتمى إليها ، بل ينطوى مبدأ استقلال البنك المركزى على كونه وسيلة تكفل له قيامه بأداء وظائفه وفقاً للمعايير الفنية بدون تدخل من السلطتين التنفيذية والسياسية فى أعماله ولاسيما فى صناعة قرارات السياسة النقدية.

فالعديد من الحكومات تنازع البنك المركزى اختصاصه فى صناعة قرارات السياسة النقدية أو قد تملى على البنك المركزى سياسة نقدية من صنعها لينتهجها فى إدارة السيولة النقدية فى الاقتصاد ، ومن ثم تهدر المعايير الفنية بدرجة أو بأخرى ويفقد البنك المركزى استقلاله وتصنع السياسة النقدية وفقاً لمعايير السياسيين وحدهم وهنا مكمن الخطورة ، حيث يكون البنك المركزى غير مؤهلاً للقيام بوظائفه بالكفاءة المرجوة ، ومن ثم تدار السيولة النقدية للاقتصاد على أسس غير فنية أو نصف فنية (إن جاز التعبير) وفقاً لأهواء ومصالح كل من رجال السياسة والسلطة التنفيذية وهم غير مؤهلين كتكنوقراط لصناعة السياسة النقدية بأى حال.

و يحكم مفهوم إستقلال البنك المركزى فى نطاق قيام البنك المركزى بوظيفته فى مجال صناعة وتنفيذ السياسة النقدية. بمعيارين رئيسيين  لا ثالث لهماّ وهما :-

(أ) الإستقلال السياسى للبنك المركزى.

(ب) الإستقلال الاقتصادى للبنك المركزى.

(أ) الإستقلال السياسى للبنك المركزى :

و يعنى الإستقلال السياسى للبنك المركزى مدى قدرة البنك المركزى على صنع وإتخاذ قرارات السياسة النقدية بدون تدخل من كل من السلطة التنفيذية والسياسية فى الدولة.

 (ب) الإستقلال الاقتصادى للبنك المركزى :

و يعنى مدى قدرة البنك المركزى على إستخدام وإختيار أدوات السياسة النقدية بدون تدخل من السلطة التنفيذية (الحكومة).ويعد عدم الإستقلال السياسى للبنك المركزى أكثر خطورة من عدم الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى ، ويرجع ذلك إلى أن تدخل السلطة السياسية فى اختصاص البنك المركزى يمس عدم إنفراده بإتخاذ قرارات صناعة السياسة النقدية برمتها فى حين أن تدخل السلطة التنفيذية فى اختصاص البنك المركزى يحد من قدرته على إستخدام بعض أدوات السياسة النقدية .

لذلك فالتدخل السياسى يكون أعمق أثراً وأكثر خطورة من التدخل الاقتصادى فى اختصاص البنك المركزى فيما يتعلق بالسياسة النقدية. ويؤدى كل من عدم الإستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى إلى صياغة وتنفيذ السياسة النقدية على أسس فنية غير سليمة ، حيث أن إستقلال البنك المركزى قد تقرر أصلاً ليكون بمثابة سياج يكفل صياغة وتنفيذ السياسة النقدية على أسس فنية سليمة من صاحب الاختصاص الأصيل والمؤهل ألا وهو البنك المركزى.

ويترتب على ذلك أن إستقلال البنك المركزى يمكن تعريفه بأنه الإستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى وذلك وفقاً لمفهوم كل من الاستقلال السياسى والاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى على النحو السابق الإشارة إليه.

فى الواقع العملى يصعب التعبير عن مدى استقلال البنك المركزى بطريقة كمية أو رقمية لكونها تتضمن العديد من المؤشرات التى يستحيل قياسها وترجمتها فى صورة أرقام ، ولكن توجد مجموعة من المعايير الكيفية  الحاكمة لاستقلال البنك المركزى  وتستخدم لقياس مدى استقلال البنك المركزى.

وتنقسم هذه المعايير إلى مجموعتين الأولى تقيس الاستقلال السياسى والثانية تقيس الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى وذلك على النحو التالى :

أولاً: المعايير الحاكمة للإستقلال السياسى للبنك المركزى :

وتتضمن مجموعة من المعايير تستخدم فى قياس مدى الإستقلال السياسى للبنك المركزى وتتلخص فى المعايير التالية :

1- سلطة تعيين المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة .

2- سلطة عزل المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة .

3- نظام تمثيل الحكومة فى مجلس إدارة البنك المركزى .

4- أسلوب التصويت على القرارات فى مجلس إدارة البنك المركزى .

5- مدة تعيين ومخصصات المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة .

6- ملكية البنك المركزى .

7- السلطة المخولة صلاحيات محاسبة البنك المركزى وتلقى تقاريره .

ونتناولها فيما يلى بالتحليل :

1- سلطة تعيين المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة :

يعد إنفراد الحكومة بسلطة تعيين محافظ البنك المركزى ونوابه وأعضاء مجلس الإدارة مؤشراً على التبعية السياسية للبنك المركزى والعكس صحيح فكلما تنوعت سلطات تعيين المحافظ ونوابه وأعضاء مجلس الإدارة كلما كان ذلك مؤشراً على الاستقلال السياسى للبنك المركزى .

وتتعدد صور صلاحيات تعيين هؤلاء المسئولين عن إدارة البنك المركزى وذلك على النحو التالى :

( أ ) قد تختص الحكومة بتعيين بعض الأعضاء فى مجلس الإدارة كممثلين لها وتختص سلطات أخرى بتعيين باقى الأعضاء ، وهذا الأسلوب متوازن نسبياً ويحفظ للبنك المركزى قدر من الاستقلال السياسى بشرط عدم تمتع الأعضاء الممثلين للحكومة بحق الاعتراض veto على القرارات أو منحهم أصوات مرجحة .

(ب) قد يختص البرلمان بالإختيار المباشر لأعضاء مجلس إدارة البنك المركزى أو الحصول على موافقة البرلمان على تعيين أعضاء مجلس إدارة والإدارة العليا للبنك المركزى ، وهذا الأسلوب فى التعيين يكفل مستوى مرتفع للإستقلال السياسى للبنك المركزى بشرط وجود برلمان يتمتع بتمثيل متوازن من الأحزاب السياسية.

(ج) قد يشترط أن تمثل كافة أقاليم الدولة فى مجلس إدارة البنك المركزى وذلك بالنسبة للدول الفيدرالية .

(د) فصل سلطات الترشيح عن سلطات التعيين وخصوصاً محافظ البنك المركزى حيث تقوم سلطة ما (مجلس الوزراء ، مجلس الشيوخ) بترشيح محافظ البنك المركزى وتقوم سلطة أخرى (رئيس الجمهورية – البرلمان) بتعيين محافظ البنك المركزى، ويكون تعدد المرشحين مؤشراً ديمقراطياً بالمقارنة بطرح مرشح وحيد على أساس إنعدام إجراء عملية المفاضلة بينهم فى حالة وجود مرشح وحيد .

ففى ألمانيا يتم ترشيح المحافظ والمديرين من قبل الحكومة الفيدرالية وتكون سلطة التعيين لرئيس الجمهورية ، وفى فرنسا يتم تعيين المحافظ وأعضاء مجلس السياسة النقدية بناء على ترشيح يعتمد على تعدد المرشحين بواقع ثلاثة مرشحين لكل منصب ويكون ترشيحهم معززاً من السلطات التالية كسلطات ترشيح :-

* رئيس مجلس الشيوخ .

* رئيس الجمعية الوطنية ( البرلمان ) .

* رئيس المجلس الإقتصادى والسياسى .

وتكون سلطة التعيين (على أساس المفاضلة بين المرشحين الثلاثة لكل منصب) لمجلس الوزراء وفقاً لأحكام القانون الفرنسى.

2- سلطة عزل المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة :

إذا خُولت الحكومة سلطات تقديرية (بمعنى كونها سلطات غير منصوص عليها فى القانون) لعزل محافظ البنك المركزى ونوابه وأعضاء مجلس الإدارة أو إقالتهم ، فإن البنك المركزى يفقد كلياً استقلاله السياسى ويكون مجرد دائرة من دوائر الحكومة ومنفذاً مطيعاً لتعليماتها ، أما إذا كانت إجراءات عزل محافظ البنك المركزى ونوابه ومجلس الإدارة منصوص عليها ومحددة فى القانون ، فإن البنك المركزى يكون متمتعاً بالاستقلال السياسى عن الحكومة ، وتحدد التشريعات فى بعض الدول الأحوال التى يتعين فيها عزل محافظ البنك المركزى ونوابه وأعضاء مجلس الإدارة وتتلخص فى الأحوال الآتية :

* إرتكاب أفعال مخلة بالشرف أو السمعة .

* الفشل فى أداء وظائفهم .

* الإهمال الجسيم وعدم القدرة على أداء وظائفهم .

3- نطاق تمثيل الحكومة فى مجلس إدارة البنك المركزى :

كلما كان نطاق التمثيل الحكومى فى مجلس إدارة البنك المركزى كبيراً ومتسعاً ليس من حيث عدد الأعضاء ، بل من حيث صلاحيات هؤلاء الأعضاء داخل مجلس الإدارة ، كلما كان البنك المركزى تابعاً للحكومة ، والعكس صحيح ، فإذا كان لهؤلاء الأعضاء كممثلين للحكومة فى مجلس إدارة البنك المركزى صلاحيات خاصة لهم دون غيرهم من الأعضاء ، كحق تأجيل إصدار القرارات أو تعديل صياغتها حتى تصدر على نحو متفق مع ما تمليه عليهم السلطة التنفيذية من تعليمات ، فإن البنك المركزى يفقد قدراً كبيراً من إستقلاله السياسى .

أما إذا كان هؤلاء الأعضاء كممثلين للحكومة فى مجلس إدارة البنك المركزى يقتصر دورهم على المشاركة فى المناقشات بدون منحهم حق التصويت على القرارات أو مشاركتهم كمراقبين فقط أو يتمتعون بنفس صلاحيات بقية أعضاء مجلس الإدارة ودون أن تكون لهم نسبة تصويت مؤثرة فإن البنك فى هذه الحالة يكون مستقلاً ومتفادياً لسيطرة التمثيل الحكومى فى مجلس إدارة البنك المركزى .

4- أسلوب التصويت على القرارات فى مجلس إدارة البنك المركزى:

لإسلوب التصويت على القرارات فى مجلس إدارة البنك المركزى أهمية كبيرة فى تحديد مدى إستقلال أو تبعية البنك المركزى سياسياً ، فإذا كان أسلوب إصدار القرارات يتم بالأغلبية المطلقة فإن البنك المركزى يتمتع بدرجة عالية من الاستقلال السياسى ، أما إذا كان أسلوب التصويت يمنح ممثلى الحكومة أصواتاً مرجحة أو حق الإعتراض veto على قرارات مجلس إدارة البنك المركزى ، ففى هذه الحالة يكون البنك المركزى تابعاً للحكومة سياسياً حيث يتحكم فى قراراته ممثلى الحكومة .

5- مدة تعيين ومخصصات المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة :

تؤثر مدة تعيين (خدمة) محافظ وأعضاء مجلس إدارة البنك المركزى فى تحديد مدى الإستقلال أو التبعية السياسية للبنك المركزى فى أن طول مدة التعيين يكون مؤشراً على الاستقلال السياسى للبنك المركزى ، وقصر مدة التعيين يكون مؤشراً على التبعية السياسية للبنك المركزى ، حيث أن طول مدة التعيين يؤدى إلى تجنب التدخل الحكومى فى تغيير المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة كلما سنحت الفرصة لتغييرهم بالمقارنة بقصر مدة التعيين .

وتختلف التشريعات فى تحديد مدة تعيين محافظ وأعضاء مجلس إدارة البنك المركزى، ولكنها تتراوح بين أربعة وثمانية سنوات .

كما أن تحديد وتحكم الحكومة فى المرتبات والمخصصات المالية للمحافظ وأعضاء مجلس الإدارة تعد مؤشراً نسبياً على تبعية البنك المركزى وعدم إستقلاله السياسى حيث يؤدى ذلك الأمر إلى الضغط المادى (شداً وجذباً) على المحافظ والأعضاء مما يفقد البنك المركزى الكثير من استقلاله ، والعكس صحيح فى حالة عدم اختصاص الحكومة بتحديد المعاملة المالية للمحافظ وأعضاء مجلس الإدارة ، حيث تُحيد الضغوط المادية عليهم ويكتسب البنك المركزى قدر من الاستقلال السياسى .

6- ملكية البنك المركزى :

قد تؤثر ملكية البنك المركزى فى درجة استقلاله السياسى ، فإذا كانت الدولة تملك البنك المركزى ملكية عامة فإن البنك المركزى يصعب أن يكون مستقل سياسياً، ولكن هذا المؤشر ليس مطلقاً بطبيعة الحال ، فقد يكون البنك المركزى مملوكاً للدولة ملكية عامة ومع هذا يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال السياسى مثل فرنسا والسويد على سبيل المثال .

وتتعدد صور ملكية البنك المركزى ولكنها تتخذ ثلاثة أنماط لا رابع لها ألا وهى :

( أ ) الملكية العامة .

(ب) الملكية الخاصة .

(ج) الملكية المشتركة أو المختلطة .

بالنسبة للملكية العامة للبنك المركزى ,فإن الدولة تملك البنك المركزى ملكية تامة وعامة بنسبة 100 % ومن أمثلة الدول التى يكون البنك المركزى مملوكاً فيها ملكية عامة إنجلترا وفرنسا والسويد وأسبانيا وكندا

,بالنسبة للملكية الخاصة للبنك المركزى ,فإن ملكية الدولة للبنك المركزى تكون منعدمة ويكون البنك المركزى مملوكاً ملكية خاصة للقطاع الخاص والأفراد ، ومن أمثلة الدول التى يكون البنك المركزى مملوكاً فيها ملكية خاصة الولايات المتحدة وسويسرا .

ومن الجدير بالذكر أن البنك الأهلى المصرى الذى تأسس فى عام 1898 ، كان يقوم بأعمال البنك المركزى وببعض وظائفه حتى إنشاء البنك المركزى المصرى فى عام 1961 وقد ترتب على ذلك أن ملكية البنك المركزى فى مصر كانت ملكية خاصة حتى عام 1961 وملكية عامة بعد عام 1961 وحتى الآن .

بالنسبة للملكية المشتركة للبنك المركزى, تكون ملكية البنك المركزى وفقاً لهذا النمط من أنماط الملكية ملكية مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص فى ملكية البنك المركزى وتختلف حصة الدولة من دولة إلى أخرى ، ففى اليابان تكون حصة الدولة 55 % وفى النمسا 50 % وفى تركيا 25%،  والجدير بالذكر أن ملكية القطاع الخاص للبنوك المركزية لا تعطى ملاك البنك الحق فى تعيين مجلس الإدارة أو المحافظ كما هو الحال بالنسبة للبنوك التجارية والمنشآت الأخرى ، حيث تحظر التشريعات ذلك ويخضع تعيين المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة للقانون الذى ينظم إجراءات ترشيحهم وتعيينهم ، ذلك لأن للبنك المركزى وظائف رقابية وسيادية لا تترك سلطات تعيين القائمين على إدارتها لملاك البنك المركزى فى ظل نمط للملكية الخاصة أو المشتركة للبنك المركزى .

كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن نمط  أو شكل ملكية البنك المركزى لا يؤثر فى وظائف البنك المركزى ودوره على الإطلاق .

7- السلطة المخولة صلاحيات محاسبة البنك المركزى وتلقى تقاريره :

إن نوع السلطة المخولة صلاحيات محاسبة البنك المركزى وتلقى تقاريره الدورية عن الأوضاع النقدية والإقتصادية تحدد درجة الإستقلال السياسى للبنك المركزى ، فإذا كانت هذه السلطة أحد السلطات التنفيذية فى الدولة كرئيس الوزراء أو أحد الوزراء فإن درجة الإستقلال السياسى للبنك المركزى تكون ضعيفة أو منعدمة ، أما إذا كانت هذه السلطة سلطة برلمانية فإن درجة إستقلال البنك المركزى السياسية تكون مرتفعة .

ثانياً : المعايير الحاكمة للإستقلال الإقتصادى للبنك المركزى :

وتتضمن مجموعة من المعايير تستخدم فى قياس مدى الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى وتتلخص فى المعايير التالية :

1- مدى تقييد إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى .

2- مدى تقييد حيازة البنك المركزى لسندات الدين العام .

3- مدى إنفراد البنك المركزى بتنفيذ السياسة النقدية .

4- مدى الإستقلال المالى والفنى للبنك المركزى .

5- الصلاحيات المخولة للبنك المركزى كجهاز رقابى .

6- مدى نفاذ قرارات البنك المركزى .

ونتناولها فيما يلى بالتحليل :

1- مدى تقييد إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى :

يعتبر تقييد اقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى أحد مؤشرات الإستقلال الإقتصادى للبنك المركزى ، فكلما فرضت التشريعات قيود على اقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى كلما تمتع البنك المركزى بدرجة أكبر من الاستقلال الاقتصادى ، وقد تصل مثل هذه القيود المفروضة على إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى إلى درجة الحظر أو المنع ، ويتخذ تقييد إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى الأشكال الآتية :

( أ ) حظر الإقتراض المباشر للحكومة من البنك المركزى :

تحظر القوانين والتشريعات إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى ، ففى دول الاتحاد الأوروبى يسرى مثل هذا الحظر بموجب اتفاقية ماستريخت التى فرضت هذا الحظر على الدول الأعضاء حيث نصت على حظر تمويل عجز الموازنة بالإقتراض الحكومى المباشر من البنك المركزى.

(ب) وضع سقوف لإقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى :

ففى ظل هذا الشكل من تقييد إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى ، وضعت بعض الدول سقوف أو حدود قصوى لإقتراض الحكومة من البنك المركزى وتتخذ هذه السقوف الأشكال الآتية :

* تحديد سقف ائتمانى لإقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى بتحديد مبلغ محدد يتعين عدم تجاوزه .

* تحديد قيمة اقتراض الحكومة من البنك المركزى بنسبة مئوية من أى من المتغيرات الإقتصادية الآتية :

– حجم الإيرادات الكلية .

– حجم مطلوبات أو موارد البنك المركزى .

(ج) الحصول على موافقة مسبقة من البرلمان :

قيدت بعض الدول إقتراض الحكومة المباشر من البنك المركزى بالحصول على موافقة مسبقة من البرلمان قبل إتاحة التمويل المباشر للحكومة من البنك المركزى

2- مدى تقييد حيازة البنك المركزى لسندات الدين العام :

كلما نصت التشريعات والقوانين على قيود تحد من حيازة البنك المركزى لسندات الدين العام كلما تمتع البنك المركزى بدرجة أكبر من الاستقلال الاقتصادى ، حيث يتسع ويضيق تقييد حيازة البنك المركزى لسندات الدين العام ، ففى بعض الدول التى يتمتع فيها البنك المركزى بدرجة عالية من الاستقلال الاقتصادى يحظر على البنك المركزى حيازة سندات الدين العام لأى سبب ، أى تفرض عليه حظراً مطلقاً فى هذا الأمر ، وبعض الدول تستثنى من هذا الحظر حيازة سندات الدين العام فى إطار عمليات السوق المفتوحة ، وذلك ليس لإعتبارات تتعلق بتمويل عمليات الحكومة وعجز الموازنة العامة ، لكن لاعتبارات كون ذلك أحد أهم أدوات السياسة النقدية للتأثير على حجم السيولة والتيار النقدى فى الاقتصاد .

3- مدى إنفراد البنك المركزى بتنفيذ السياسة النقدية :

من أهم المعايير الحاكمة للإستقلال الإقتصادى للبنك المركزى مدى إنفراده وإحتكاره تنفيذ السياسة النقدية مستخدماَ فى ذلك الأدوات المباشرة وغير المباشرة للسياسة النقدية ، فرسم وصياغة وتنفيذ السياسة النقدية يعد بمثابة الاختصاص الأصيل للبنك المركزى ، فكلما كان البنك المركزى منفرداً فى صياغة السياسة النقدية كلما كان متمتعاً بدرجة عالية من الاستقلال السياسى ، وكلما كان منفرداً بتنفيذ السياسة النقدية باستخدام الأدوات التى يراها كلما كان متمتعاً بدرجة عالية من الإستقلال الإقتصادى ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، إذا كان للبنك المركزى القدرة على تغيير أسعار الفائدة والخصم وتغيير نسبة الاحتياطى القانونى وفقاً للأصول الفنية ودون تدخل من الحكومة كلما كان متمتعاً بدرجة عالية من الاستقلال الاقتصادى والعكس صحيح تماماً .

مدى الاستقلال المالى والفنى للبنك المركزى :

يقاس استقلال البنك المركزى المالى والفنى بإنفصال ميزانية البنك المركزى عن ميزانية الدولة من جهة ، ومن جهة أخرى بإختصاص مجلس إدارة البنك المركزى بإعتماد موازنة البنك المركزى دون الحاجة إلى اعتمادها من سلطات حكومية ، وإن استقلال كل من ميزانية وموازنة البنك المركزى يغل يد الحكومة فى التأثير على البنك المركزى بحصوله على الموارد المالية الكافية لمباشرة نشاطه ، أما إذا تدخلت الحكومة فى موازنة البنك المركزى فإنها تستطيع التأثير عليه بطريقة غير مباشرة بعدم إتاحة الموارد المالية الكافية لمباشرة نشاطه ، ويحد مثل هذا التدخل الحكومى من الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى .

5- الصلاحيات المخولة للبنك المركزى كجهاز رقابى :

يعد منح البنك المركزى الصلاحيات الكافية كجهاز رقابى مهيمن على البنوك والائتمان والنقد دون تصارع أو تدخل جهات رقابية أخرى معه تنازعه اختصاصاته الرقابية أحد مؤشرات قياس الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى ، فإذا تنازعت جهات رقابية حكومية أخرى صلاحيات البنك المركزى كجهاز رقابى ، فإن درجة الإستقلال الاقتصادى للبنك المركزى ، تكون متدنية ، والعكس صحيح فى حالة إنفراد البنك المركزى بصلاحياته كجهاز رقابى .

6- مدى نفاذ قرارات البنك المركزى :

إذا كانت قرارات البنك المركزى قرارات نافذة لا تتطلب إعتماد أو مراجعة أو تصديق سلطات حكومية أخرى ، فإن البنك المركزى يكون متمتعاً بدرجة مرتفعة من الاستقلال الإقتصادى ، أما إذا كانت القرارات التى تصدر عن البنك المركزى تتطلب لإقرارها إعتماد أو تصديق سلطات حكومية أخرى ، فإن الاستقلال الاقتصادى للبنك المركزى يكاد يكون منعدماً أو على الأقل ضعيفاً .

وبعد تناولنا للمعايير الحاكمة لقياس كل من الاستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى نستطيع تطبيق هذه المعايير للحكم على مدى الاستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى لأى دولة، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ألا وهو :-

هل الاستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى يرتبط بكل من درجة الأداء والتقدم الإقتصادى للدولة ؟

فى الواقع أن هذا السؤال فى غاية الأهمية وفى غاية الصعوبة أيضاً ولكن ثمة مؤشرات يمكن أن تستخلص منها الإجابة على هذا السؤال وهى بالإيجاب النسبى :

المؤشر الأول :

أظهرت بعض الدراسات التطبيقية أن درجة الاستقلال الاقتصادى والسياسى للبنك المركزى تعتمد إلى حد كبير على درجة التصنيف الإقتصادى للدولة ، فنجد أن معظم الدول المتقدمة أو دول العالم الأول تتمتع فيها البنوك المركزية بدرجة معقولة من الاستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى ، ولكن درجة الاستقلال هذه تختلف من دولة إلى أخرى ، ولكن توجد بعض الدول الأقل نمواً وتتمتع فيها البنوك المركزية بدرجات مقبولة من الاستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى .

المؤشر الثانى :

أظهرت بعض الدراسات التطبيقية أن للإستقلال السياسى والاقتصادى للبنك المركزى مردود كبير جداً وآثار إيجابية على أداء البنك المركزى بالمقارنة بأداؤه فى ظل تبعية البنك المركزى لكل من السلطة السياسية والتنفيذية ، ومن أهم تلك الآثار الإيجابية نجاح البنوك المركزية المستقلة فى إدارة السيولة النقدية والسيطرة على معدلات التضخم وضبط التيار النقدى فى الاقتصاد ، ولكن مع تحفظ وحيد وهو أن نجاح البنك المركزى المستقل فى السيطرة على معدلات التضخم مرهون بكون التضخم ظاهرة نقدية وليس ناشئاً عن أسباب هيكلية متعلقة بالهيكل الاقتصادى كما هو الحال فى الدول النامية التى تحقق معدلات تضخم مرتفعة ناتجة أساساً نتيجة أسباب هيكلية بسبب اختلال هياكلها الإقتصادية ونمو القطاعات الخدمية على حساب القطاعات السلعية ، وفى ظل هذا الوضع لن تنجح البنوك المركزية حتى ولو كانت مستقلة فى السيطرة على التضخم أو استهداف معدلات محددة من التضخم ، بالإضافة إلى أن تنفيذ برامج التنمية فى هذه الدول ينتج عنه إرتفاع فى معدلات التضخم بسبب فترة التفريخ الطويلة التى تحتاجها مشروعات التنمية .

لذلك فإن نجاح البنوك المركزية المستقلة فى العالم الأول فى السيطرة على التضخم واستهداف معدل مقبول منه (مثل بريطانيا) يرجع أساساً إلى كون التضخم فى هذه الدول مجرد ظاهرة نقدية وليس ظاهرة هيكلية كما هو الحال فى الدول النامية . ومع هذا فإن البعض قد يروج لفكرة عدم الحاجة لاستقلال البنوك المركزية فى الدول النامية ، ولكن هذا الاتجاه غير مستند لأسانيد علمية ، فالاستقلال السياسى والاقتصادى للبنوك المركزية أمر ضرورى حيث يكفل لها إدارة السياسة النقدية وأداء وظائفها على أسس فنية سليمة .

وهذا فى حد ذاته يوفر مناخ اقتصادى سليم فنياً يغل يد السلطات السياسية والتنفيذية فى توجيه البنوك المركزية لتبنى سياسات غير سليمة فنياً لتجميل الأداء الاقتصادى فى المدى القصير وتفجير الأزمات فى المدى المتوسط والطويل ، كما حدث مؤخراً فى الأرجنتين وانتهى الأمر بأزمة إقتصادية وسياسية بسبب قرار الحكومة بتجميد الودائع بالعملات الأجنبية ، فالحقائق والأسس الإقتصادية لا يمكن أن تتجمل لا طول الوقت ولا فى أى وقت ، والتاريخ الاقتصادى يعيد نفسه ولكن قراؤه لا يعتبرون!!

و فى مصر يحاول بعض كبار رجال الأعمال قلب الحقائق الاقتصادية و المعايير العالمية رأساّ على عقب بالاعتراض على قرارات البنك المركزى لأنها جاءت ضد مصالح امبراطورياتهم المالية التى توغلت باستخدام أموال المودعين و بالأصول العامة للدولة فى اطار عمليات الخصخصة المشبوهة التى تمت فى عهد اّل مبارك!!

CNA – مقال بقلم ،، أحمد الألفى ( الخبير المصرفى المصرى) 

[box type=”info” ]الكاتب .. مصرفى يعمل مديرًا بأحد البنوك المصرية .. له مؤلفات عديدة فى المجالات المصرفية والمالية [/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش