مقال .. الديون السيادية .. تسونامى ينذر بكارثة اقتصادية

ELALFY 234
أحمد الألفى

يقدر صندوق النقد الدولى الديون السيادية  فى العالم  بمبلغ 100 تريليون دولار , يخص الولايات المتحدة الامريكية وحدها 17 تريليون دولار و بنسبة 105% من ناتجها المحلى الإجمالى.

وينذر تفاقم الديون السيادية على النطاق العالمى بانهيار كل من النظام  المالى و  المصرفى الدوليين  , فلم تعد الديون السيادية تعصف بالدول الفقيرة  و النامية  فقط بل  طالت الدول الغنية و المتقدمة  أيضا , فلقد انضمت دول غنية و متقدمة  الى نوادى الفقر الدولية  و التسول العالمى.

فلم تعد العضوية فى هذه النوادى قاصرة على  الدول النامية  كما كان الحال فى الثمانينات و التسعينسيات من القرن المنصرم عندما كانت دول امريكا اللاتينية و فى مقدمتها شيلى و الارجنتين و البرازيل  ومعهم  جارتهم المكسيك من امريكا الشمالية تتبوأ  شرف العضوية الدائمة فى نادى لندن و باريس بعد أن  أفلستها  السياسات الامريكية و شركاتها الاستعمارية برعاية كل من البنك و صندوق النقد الدوليين  حتى  تحررت الارادة السياسية  لهذه البلاد بحكام  وطنيين نجحوا فى اخراجها من عباءة  نادى الديون السيادية  و من مخالب صندوق النقد الدولى و قدموا استقالات جماعية من عضوية النادى الدولى للديون السيادية.

وتكمن خطورة تفاقم الديون السيادية فى  ثلاثة أبعاد الأول سياسى و الثانى اقتصادى و الثالث اجتماعى , حيث يتبلور البعد السياسى فى شل الارادة السياسية للدولة المدينة بفرض الدول الدائنة مواقف سياسية عليها تغل يدها من الحراك السياسى لتكون مجرد كومبارس على المسرح السياسى الاقليمى و الدولى بحيث تصبح دولة منزوعة الارادة السياسية لكونها تتبع فقط ما يملى عليها من الدائنين .

أما عن البعد الاقتصادى فان الوضع يكون قابلا للانفجار فى أى وقت لأن بلوغ  قيمة الدين العام  اجمالى الناتج القومى لاى دولة يجعل  مواردها العامة مسخرة لخدمة هذا الدين العام الكبير لعدة عقود حيث تكون الموازنة العامة غير قادرة على الوفاء باقساط الديون السنوية  المستحقة الدفع فتلجأ الدولة الى انتهاج سياسة تدوير القروض و ذلك باقتراض ديون جديدة بأسعار فوائد مرتفعة لسداد الديون الحالة الأداء أو الديون القديمة , وهكذا تغرق الدولة فى دوامة الديون.

ويتبلور البعد الاجتماعى لظاهرة الديون السيادية فى تراجع مستويات المعيشة بسبب عدم قدرة الموازنة العامة المثقلة باعباء خدمة الديون على الانفاق على الخدمات العامة بشكل جيد أو مقبول , وعادة ما تتخذ الدولة المثقلة بالديون اجراءات  اقتصادية تقشفية تسفر عن تراجع  مستوى كل من الاستثمار و الانفاق العام  و الخاص , مما يؤدى الى ارتفاع معدلات البطالة و التضخم معا , حيث يفرز كل منهما توترات و احتقانات اجتماعية تؤدى الى تعقد الوضع الاقتصادى المتشبع بالديون.

ويخضع  كل من عجز الموازنة و حجم الدين العام  للدولة لعدة معايير حاكمة  و متعارف عليها فى علم المالية العامة , بالنسبة لعجز الموازنة  السنوى يجب أن لا يتجاوز 3% من اجمالى الناتج المحلى , و بالنسبة لاجمالى الدين العام للدولة يجيب أن لا يتجاوز 60% من اجمالى الناتج المحلى.

وبالنسة للدين الخارجى للدولة يجب أن لا تتجاوز قيمة خدمة الدين  ( أقساط القروض مضافا اليها الفوائد السنوية )25%من قيمة الصادرات السنوية , و تمثل هذه المعايير الحدود أو السقوف الامنة للاقتراض العام  أو السيادى المحلى و الاجنبى .

وتعتبر المعايير السالفة الذكر بمثابة الأساس المالى الذى تأسست عليه اتفاقية ماستريخت التى أوجدت كتلة اليورو من جهة , ومن جهة اخرى كان استيفاء الدولة لهذه المعايير المالية الحاكمة لكل من الدين العام وعجز الموازنة من الشروط المؤهلة للدولة لقبول انضمامها لكتلة اليورو, ولكن تم التغاضى عن هذه الشروط تحت وطأة الرغبة الجامحة فى تأسيس كيان  اقتصادى أوروبى موحد و قوى ينافس كبرى الاقتصادات العالمية كالولايات المتحدة و الصين و اليابان.

و تظهر القائمة التالية  الدول اللتى تجاوز فيها الدين السيادى لقيمة الناتج المحلى الاجمالى , أى الدين السيادى يساوى 100%  أو أكبر من الناتج المحلى الاجمالى.

وفيما يلى قائمة  الدول العشرة الكبار الأكبر مديونية سيادية فى العالم  مرتبة ترتيبا تنازليا أعتمادا على مقياس الدين العام كنسبة مئوية من الناتج المحلى الاجمالى

1- اليابان , وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 250%

2- زيمبابوى ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 202%

3-  سانت كيتس ونيفيس ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 200%

4-اليونان ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 170%

5-لبنان ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 163%

6- أنتيغوا وبربودا ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 130%

7- ايطاليا ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 130%

8- البرتغال ,  وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 129%

9- جامايكا  , وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 127%

10- أيسلندا, وتبلغ نسبة الدين العام الى الناتج المحلى الاجمالى 119%

وتظهر القائمة أن 50% من  الدول العشرة الكبار الأكبر مديونية سيادية فى العالم  دول متقدمة وهى اليابان و اليونان و ايطاليا والبرتغال و أيسلندا , و ثلاثة منها أعضاء فى كتلة اليورو ’  بينما تشكل  ال 50% الاخرى من القائمة دول صغيرة و فقيرة  ( متضمنة لبنان الدولة العربيية الوحيدة بالقائمة )  يمثل الاقتراض بالنسبة لها مصدراّّ أساسيا للتمويل بسبب ضعف مواردها المالية و عدم تنوع هياكلها الاقتصادية.

و برغم خلو قائمة  الدول العشرة  الأكبر مديونية سيادية فى العالم من كل الولايات المتحدة و ايرلندا و بلجيكا و اسبانيا و فرنسا و قبرص , حيث جاءت هذه الدول فى ترتيب تالى للعشرة الكبار, الا أنها دول مثقلة بالديون السيادية أيضا و لكن بشكل أقل حده نسبيا لأن الدين العام فيها  يكاد يلامس  نسبة 100%  من الناتج المحلى الاجمالى أو يتجاوزها بنسب  مئوية طفيفة , و برغم ذلك فانه دين قابل  للزيادة و للانفجار فى أى وقت.

CNA– مقال بقلم ،، أحمد الألفى ،، الخبير المصرفى المصرى

[box type=”info” ]الكاتب .. مصرفى يعمل مديرًا بأحد البنوك المصرية .. له مؤلفات عديدة فى المجالات المصرفية والمالية [/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش