مقال .. النظام المصرفى الموازى وبنوك الظل

ELALFY 234
أحمد الألفى

يقصد بالنظام المصرفى الموازى أو بنوك الظل Shadow banks المؤسسات و الكيانات  المالية –  بخلاف البنوك و المؤسسات المصرفية النظامية  –  التى تمارس الأنشطة المصرفية و المالية و لا تخضع لرقابة السلطات النقدية ممثلة فى البنوك المركزية ، مثل بنوك الأعمال المصرفية الخاصة أو بنوك الاستثمار و الأعمال وشركات الحوالات والتحويلات المالية و صناديق التحوط ، وصناديق الاستثمار الخاصة، صناديق سوق النقود، وصناديق المعاشات.

حيث تتداخل أعمالها مع أعمال القطاع المالى والمصرفى النظامى تداخلاّ  كبيرا، وهى مؤسسات بعيدة عن القبضة الرقابية  للبنوك المركزية، ويصعب  كثيرًا التأكد  والتحقق من مدى توافق أعمالها مع القواعد  الرقابية النظامية المنظمة للأعمال المصرفية .

وبعيدًا عن  قبضة الرقابة النظامية المركزية  تبرم بنوك الظل معاملات مالية تشبه معاملات البنوك، ومن أهم أشكال بنوك الظل الصناديق النقدية التى تؤسسها البنوك وتقوم بجمع  و تلقى الاكتتابات  النقدية فيها و لا تتولى اداراتها  بشكل مباشر ،بل تسند ادارتها لشركات الادارة المتخصصة والتى تقوم بالتوظيف فى أدوات  مالية  كالأسهم و السندات  و التى تكون خارج نطاق  رقابة البنوك المركزية.

و يتكون  نظام الظل المصرفي أو النظام المصرفى الموازى من مجموعة من الوسطاء الماليين غير المصرفيين الذين يقدموا خدمات مماثلة للبنوك التجارية التقليدية و تشمل أحيانا كيانات مثل المحافظ الوقائية، ومحافظ أسواق المال، أدوات الإستثمار المركبة او المهيكلة ، محافظ الاستثمار الائتمانية، محافظ الإئتمان الوقائية، محافظ الأسهم الخاصة، ومقدمي  التغطية التأمينية على  مخاطرالائتمان، التوريق وشركات التمويل العقارى و بيوت الرهن .

ومن أهم  صور الكيانات الشائعة عالمياّ التى تتخذها بنوك الظل ككيانات قانونية لممارسة أنشطتها المالية و المصرفية  الصيغ التالية:-

1- صناديق التحوط  أو المحافظ  الوقائية Hedge Fund

وهى عبارة عن  صناديق استثمار تستخدم سياسات وأدوات استثمارية متطورة لتحقق معدلات عائد أعلى  نسبياّ من متوسط العائد على الاستثمارات السائد  فى السوق و بدون تحمل نفس مستوى المخاطر.

وهذه الاستثمارات قد تكون طويلة أو قصيرة الأجل ، و تستخدم فيها  أساليب الموازنة  بين عمليات  شراء وبيع الأوراق المالية، بحيث تكون مقوّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، و تقوم السياسة الاستثمارية للصندوق بالمفاضلة بين كافة البدائل التجارية أو السندات المالية، مع ترقب فرص الاستثمار في أي سوق؛ حيث يُستهدف و يُتوقع دائما تحقيق أعلى الارباح مع أقل مخاطر ممكنة، و من أهم الأدوات المالية   التي تستثمر فيها هذه الصناديق أموال المستثمرين المشتقات المالية و العقود الاّجلة و المبادلات، و تستخدم هذه الصناديق العديد من السياسات  التمويلية التوسعية كالبيع على المكشوف leverage ،والرفع المالى  short selling و يوجد حوالي ثمانية آلاف صندوق  تحوط في جميع أسواق العالم المالية تبث المخاطر فى هذه الاسواق و تنذر بانهيارها  فى أى وقت

2- صناديق الودائع الائتمانية Trust funds

و هي عبارة عن الترتيبات التي تسمح للأفراد بتحقيق منافع  دائمة لشخص آخر أو كيان آخر؛ مثل ما يفعله بعض الآباء من إنشاء صندوق ادخارى لتوفير قدر من الأمن المالي لأبنائهم، مع الثقة في توفير الموارد الضرورية لتلبية الاحتياجات الأساسية لهم في حالة وفاة الوالد، و يمكن أيضا أن ينشأ الصندوق الائتمان لصالح جمعية خيرية أو غيرها من المنظمات التى لا تهدف لتحقيق الربح.

ويمكن أن يستوعب هذا النوع من الصناديق مجموعة واسعة من الأصول بالإضافة إلى الأموال السائلة، و يتم إدارته من قبل وصي Trustee، أو مجموعة تكون مجلس وصاية، وتقع على عاتق الوصي إدارة استخدام الموارد المدرجة في الصندوق الائتماني لمصلحة المستفيد من الوديعة.

3- صناديق المعاشات أو التقاعد Pension Fund

صندوق التقاعدPension Fund  و يسمى بصندوق أيضا: المعاشات التقاعدية؛ وهى  عبارة عن صناديق مساهمات جماعي يؤسسه  صاحب العمل اعتماداً على مساهمات الموظفين؛ لتسهيل وتنظيم الاستثمار، يهدف إلى تحقيق نمو مستقر على المدى الطويل، وتوفير المعاشات التقاعدية للموظفين عندما تصل إلى نهاية سنوات عملهم وبدء التقاعد، و تدار هذه الصناديق من خلال شركات للوساطة المالية، و بعض الشركات الكبرى تنشئ  صناديق التقاعد الخاصة بها، و صناديق التقاعد تتحكم في كميات كبيرة نسبياّ من رأس المال، و تعتبر من أكبر استثمارات المؤسسات في العديد من  الدول كصندوق معاشات النرويج.

4- صناديق الاستثمار المشترك Mutual Funds

صناديق الاستثمار المشترك هي شكل من الاستثمارات الجماعية المدارة بأسلوب محترف و متخصص حيث تجميع الأموال من العديد من المستثمرين واستثمارها في الاسهم والسندات والصكوك و الأدوات المالية القصيرة الأجل و غيرها من الأوراق المالية الأخرى و  يدير  مدير الصندوق  محفظةالأوراق  المالية  محققاً مكاسب أو خسائر في رأس المال مقابل تقاضى عمولة ادارة  و حصة فى الأرباح  و يلتزم ببذل العناية المعقولة أو عناية الرجل الحريص ، ثم يقوم بتحصيل توزيعات الأرباح  ويتم بعد ذلك تحويل عائدات الاستثمار إلى المستثمرين كل على حده. ويتم حساب قيمة الحصة في  صندوق الاستثمار المشترك بقسمة  احمالى محفظة الصندوق المالية على عدد الحصص أو  الوثائق المصدرة  و تعرف باسم صافي قيمة الأصل (  NVA )  للحصة .

وتعد صناديق الاستثمار المشترك بديلاً فعالاً للاستثمار المباشر في الأسهم أو السندات، وتوفر فرص للتنويع بتكلفة معتدلة وبمستوى منخفض نسبياّ من المخاطر  بسبب  عنصرى التنوع و الاحتراف و تتحقق  أرباح صناديق  الاستثمار المشترك  من ثلاثة مصادر  هى الدخل المحقق من توزيغات الأسهم و فوائد السندات و أرباح الاتجار فى الأسهم و السندات و من ارتفاع القيمة السوقية للأوراق المالية المحتفظ بها عن قيمتها عند الاقتناء أو الشراء

5- الأعمال المصرفية الخاصة Private Banking

بنوك الأعمال المصرفية الخاصة Private Banking أو بنوك الاستثمار  investment banks هى شركات مالية  و ليست بنوك  و تطلق على نفسها  تسمية بنوك استثمار أو البنوك التى تؤدى مهام أو وظائف خاصة  وهي تعمل تحت مظلة القوانين السارية على الشركات المالية والأسواق المالية، و لا تعمل تحت مظلة القوانين السارية على  البنوك النظامية ، لذلك فهى غير ملزمة بالتقيد بالمعايير و القواعد  المصرفية الرقابية النظامية المنظمة للأعمال المصرفية  كسقوف الاقراض و التركز الائتمانى و نسب السيولة و الاحتياطى  القانونى  ، وما الى ذلك من معايير و ضوابط رقابية و مصرفية .

وقد كشفت الأزمة المالية العالمية سنة 2008 النقاب عن هذه البنوك و الكيانات  التى أشعلت الأزمة المالية العالمية باهدارها  لكل من قواعد السيولة  و الملائمة  بين الموارد و الاستخدامات المالية MATCHING ، حيث حصلت هذه البنوك  من المستثمرين على مصادر أموال قصيرة الاجل  وو ظفتها فى استخدامات و أوجه توظيف طويلة الأجل  فى تمويل شراء العقارات  مع عدم احتفاظها بأى قدر من السيولة لمواجهة طلبات الاسترداد  ، فوقعت الكارثة ، فاضطرت الى  حرق الأسعار بتسييل  جانب من أصولها  من العقارات  المرهونة لها بأسعار متدنية لمقابلة طلبات الاسترداد، فلم تتكبد خسائر كبيرة  فحسب ، بل أدت الى انهيار  الأسواق العقارية في الولايات المتحدة  والعالم  بأسره.

و يتمثل الاختلاف بين البنوك النظامية و بنوك الظل فى أن البنوك النظامية مصرح لها بقبول الودائع و تخضع لرقابة سلطة نقدية مركزية ، أما بنوك الظل فغير مصرح لها  بقبول الودائع و تقبل الأموال  لاستثمارها لحساب الغير.

و يترتب على ذلك اختلاف فى  طبيعة العلاقة بين البنوك النظامية و عملائها ، وبين بنوك الاعمال المصرفية الخاصة و عملائها ، فالعلاقة فى الاولى علاقة دائن بمدين ، بينما العلاقة فى الثانية  تغلب عليها طبيعة علاقة الوكالة و الوساطة .

و لقد انتشرت معاملات بنوك الظل  انتشارًا  كبيرًا بسبب رغبة هذه الكيانات الجامحة فى تفادى الرقابة وعدم الالتزام بالقيود والقواعد التي تفرضها البنوك المركزية على كل من  مراكز السيولة  التى يتعين الاحتفاظ بها ، وعلى سقوف التوظيف فى الأدوات المالية المختلفة، مما يجعل هذه البنوك تعمل بدون  توفر الحد الأدنى من مبادئ و أسس توزيع المخاطر ، لذلك تكون قدرتها على خلق  النقود و الأدوات المالية و الائتمانية كبيرة جداّ و خارج  السيطرة دائماّ ، فضلا عن عدم  التزامها بنطاق من الشفافية والافصاح يضاهى النطاق المطبق بالبنوك والمؤسسات المالية النظامية الخاضعة  لرقابة البنوك المركزية

وتتصاعد خطورة هذه الكيانات والشركات المالية  ، حيث أنها تملك حرية تحديد نسبة الفوائد الدائنـــــة والمدينـــــة، كما تملك حريـــــة تجاوز لا تتمتع بها البنوك النظامية  الحدود المتاحة في منح طالب القرض قروضاّ  يعجز عن سدادها عند استحقاقها ، وهذه الحرية

ونتيجة لهذه الحرية الكبيرة  التى تتمتع بها بنوك الظل  سواء فى تفادى رقابة  السلطات النقدية  و فى  حرية تحديد الفوائد و الاستثمار فى  أى مجال بدون قيود رقابية ،فان معظم البنوك العالمية النظامية  الخاضعة للرقابة قامت بتاسيس بنوك للأعمال المصرفية الخاصة  تعمل كاذرع  مصرفية تابعة بها حيث أصبح لكل بنك نظامى  تقريباً شركة مالية تابعة أو بنك استثمار تابع،  أو لتوظيف الأموال  PRIVATE BANK ليعمل بعيداّ عن عيون الرقابة.

و يترتب على ذلك أن  بنوك الأعمال المصرفية الخاصة تمتلك الحرية المطلقة فى كل من تحديد نسبة الفوائد الدائنـــــة والمدينـــــة ،تجاوز حدود الاقراض الاّمنة و الحصيفة ،والاستثمار فى  المجالات المحظورة على البنوك النظامية ، إلى جانب تجاوز حود التركز الائتمانى و الاستثمارى.

آليات ونطاق عمل بنوك الظل 

تأتى  مصادر الأموال فى بنوك الظل من المستثمرين ذووى الفوائض المالية الكبيرة ويطلق عليهم مستثمري الجملة – و ليس من المودعين  كالبنوك النظامية – ، ويختلف المدخر المودع بالبنوك عن المستثمرفى بنوك الظل فى أن المدخر يحتاط للمستقبل بمدخراته و يرتضى بفائدة البنوك و لا يقدم على المخاطرة ، وحجم مدخراته غالباّ ما يكون صغيراّ ، بينما يقدم المستثمر فى بنوك الظل على المخاطرة و لا يرتضى بفائدة البنوك النظامية ، و غالياّ ما تكون استثماراته كبيرة .

و يستتثمر هؤلاء المستثمرين  أموالهم فى بنوك الظل لأنهم  يروا  أن  معدلات الفائدة فى البنوك النظامية منخفضة  ، و تتولى مجموعة من الوسطاء عملية إعادة ضخ الأموال في أوراق مالية ومستندات قروض في سلسلة من العمليات البالغة التعقيد التي تتم كل منها من خلال مؤسسات مالية  متخصصة.

و قد انتشرت العمليات التي تقوم بها بنوك الظل نتيجة عمليات   التحريرDeregulation المالى    التي جعلت  النشاط المصرفي التقليدي غير مربح مقارنة بانشطة و توظيفات بنوك الظل.

لذلك انتشرت عمليات بنوك الظل  بسبب الرغبة  الجامحة في عدم الالتزام بالقيود التي تفرضها البنوك المركزية على كل من  السيولة و على طبيعة الأدوات  و العمليات المالية التي يجب أن تتعامل بها البنوك التقليدية ونسبت تركزها  و توزيعها القطاعي أو الجغرافي ، وذلك  لتتمكن بنوك الظل من خلق الكثير من المنتجات المالية والديون بصورة أكبر دون أن تخضع لرقابة وسيطرة

السلطات  الرقابية ،وهكذا تتدفق الأموال من  مستثمرى الجملة الى بنوك الظل مباشرة أو عبر الوسطاء ،و تتركز توظيفات الأموال فى بنوك الظل فى العمليات الأتية:

  • عمليات التوريق “securitixation
  • عمليات اعادة التوريق “re-securitixation
  • التزامات الديون المضمونة “Collateralized debt obligations
  • الأوراق المالية المضمونة بأصول “ Asset-backed securities
  • عقود إعادة الرهن “ Re-hypothecation
  • عقود المشتقات المالية “derivatives
  • عقود العقود الآجلة “futures
  • عقود المبادلات “ swaps

وهذه  الأدوات المالية المركبة هي التي تسببت في نشوب الأزمة المالية العالمية  عام 2008 التي  لم يبرأ العالم  من آثارها و توابعها حتى الاّن ، وتكمن مخاطر هذه  الأدوات المالية المركبة ،فى أن العملية الائتمانية الواحدة يكون لها مدين واحد أو أصل  ضامن مرهون واحد وعدة دائنين ، فاذا فشلت العملية تصارع الدائنين على الاصل المرهون و انهارت رصة الدومينو برمتها.

فعلى سبيل المثال المحافظ المورقة  بضمان  المنازل المرهونة عقارياّ لبنوك الظل تكون  قيمة المنازل هى الضمان الوحيد لها ، بينما يكون البنك المقرض بمثابة الدائن الأول ، وحملة السندات المورقة بمثابة الدائن الثانى على ذات أو نفس الضمان ، ألا وهى المنازل المرهونة.

ونتيجة  لعدم خضوع بنوك الظل لأى آليات رقابية نظامية ، توسعت و توغلت فى النظام المالى العالمى حتى باتت تشكل عبئاّ ثقيلاّ على كل من البنوك النظامية و الاقتصاد العينى أو الحقيقى ، حيث بلغ حجم  عمليات بنوك الظل على مستوى العالم فى عام  2014 حوالى 80  تريليون دولار منها 25  تريليون دولار في الولايات المتحدة و13 تريليون دولار في منطقة اليورو و6 تريليون دولار في اليابان، و7 تريليون دولار في الأسواق الناشئة .

وهذا الرقم يفوق  الناتج المحلي الإجمالي للعالم  بالكامل ، و ذلك طبقاّ للتقديرات  المنشورة عن مجلس الاستقرار الماليThe Financial Stability Board   المؤسسة الدولية المعنية بمراقبة النظام المالي العالمي

و نتيجة  للتهديدات و المخاطر التى يفرزها النمو السرطانى لقطاع  بنوك الظل على  كل من الاستقرار المالى و الاقتصادى العالميين ، تصاعدت الاصوات عالمياّ لتشديد الرقابة على هذا القطاع ، حيث دعا صندوق النقد الدولي الأجهزة الرقابية في العالم إلى ضرورة تحسين الرقابة على الأنظمة المصرفية الموازية وغير الرسمية.

و لكن ..  ترى هل الأمر سيتم احتوائه بالدعوات ، أم سننتظر  حدوث الأزمة المالية العالمية  الوشيكة القادمة لنخلص النظام المالى العالمى من السادة المقامرين خريجى مدرسة شيكاغو للقمار المالى العالمى ؟

CNA– مقال ،، أحمد الألفى (خبير مصرفى مصرى)

[box type=”info” ]الكاتب .. مصرفى يعمل مديرًا بأحد البنوك المصرية .. له مؤلفات عديدة فى المجالات المصرفية والمالية [/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش