مقال .. تعديل نظرة “ستاندرد آند بورز” لاقتصاد مصر .. الأسباب والتأثيرات

MOHAMMED REDA 45
محمد رضا

في البداية يجب التوضيح أن وكالة التصنيف الائتماني ستاندارد أند بورز لم تخفض التصنيف الائتماني لمصر بل خفضت نظرتها للاقتصاد المصري من مستقر إلي سلبي وأبقت الوكالة العالمية على تصنيف الائتمان السيادي قصير وطويل الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية لمصر عند مستوى B– .

وقد أشارت “ستاندارد أند بورز” إلي أن النظرة السلبية تعكس وجهة نظرها في حدوث زيادة تدريجية في أوجه الضعف الخارجية (ميزان المدفوعات) والمالية (عجز الموازنة) لمصر خلال الشهور الـ 12 القادمة وتعتبر أن ذلك قد يضعف التعافي الاقتصادي للبلاد ويفاقم التوترات السياسية والاجتماعية، وأنها قد تخفض التصنيف مباشرة إذا زاد نطاق الاختلالات في الاقتصاد المصري بما يتجاوز التوقعات الراهنة مثل انخفاض الاحتياطي الأجنبي بشكل أكثر سرعة من التوقعات الراهنة.

ويعني هذا أنه مالم تتحسن مؤشرات الاقتصاد المصري قبل المراجعة القادمة للتصنيف الائتماني لمصر من وكالة ستاندارد أند بورز سيتم تخفيض التصنيف الائتماني لمصر إلي مستوى CCC+ على الأقل.

وأرى أن ماحدث ليس بمفاجأة وإنما هو نتيجة طبيعية لإدارة خاطئة وكارثية للاقتصاد المصري سواء على صعيد الإدارة المالية أو النقدية، والتي تسببت في تأزم الوضع الاقتصادي في مصر وكذلك الإصرار على الإستمرار في ذات السياسات المالية والنقدية والتي أدت إلي ضعف النشاط الاستثماري ودخول الاقتصاد المصري لحالة ركود تضخمي، ليؤدي إلي تراجع النمو للناتج المحلي الإجمالي حيث من المتوقع أن يبلغ 3% في نهاية العام المالي الحالي وذلك بعد أن ارتفع في عام 2015 إلي 4.2% في حين أن الموازنة العامة الحالية كانت تستهدف نسبة نمو 5%.

ومن المتوقع أيضاً أن يبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي متوسط 3.8% خلال الفترة بين 2016-2019، بدعم من الاستهلاك المحلي والاستثمارات والتحويلات المالية المرنة من المصريين بالخارج، وبعض الاستثمارات الأجنبية الداخلية وتحسن إمدادات الطاقة بتشغيل حقل الغاز الطبيعي بنهاية 2017 والذي إكتشفته شركة “إيني” الإيطالية في مصر والتي توقعت أن يكون قادرا على إنتاج 850 مليار متر مكعب يوميا.

لنجد أن كافة التوقعات للنمو التي أعلنتها الحكومة في موازنة 2015-2016 بنسبة 5% وأيضاً في موازنة 2016-2017 بنسبة 5 إلي 5.5% من الصعب تحقيقها، وبالنظر إلي مؤشرات أداء الأقتصاد المصري نجد ارتفاع الإنفاق على الأجور والمرتبات والدعم وخدمة الدين لتشكل 80% تقريباً من الإنفاق العام في الموازنة، وتفاقم العجز في الموازنة العامة عند مستوى 11.5 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015 وهو على المستوى الأعلى بين الدول ذات تصنيف ائتماني B-.

وكذلك ارتفاع الدين العام لمستويات قياسية وتخطي المستويات الآمنة والتي تتجاوز 90% من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع تكلفة الدين العام لثلث الإنفاق العام في الموازنة، حيث نجد أن التغير السنوي في زيادة الدين العام 13.8% في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2012-2015 .

في حين تشير التقديرات إلى أن التغير السنوي في زيادة الدين العام سيبلغ مستوى 11.5% في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2016- 2019، أي أن الدين العام مرشح لتجاوز 95%- 99% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل غياب بدائل تمويلية لعجز الموازنة أو القيام بإعادة هيكلة الإنفاق العام في الموازنة، كما نجد أيضاً تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وكذلك زيادة عجز ميزان المدفوعات، وتراجع الصادرات بشكل حاد ليؤدي لعجز في الميزان التجاري والذي سجل وفقاً لأخر إعلان عجزاً بنسبة 2.5% حيث من الناتج المحلي الإجمالي ومن المتوقع أن يبلغ متوسط العجز في الميزان التجاري 4.8 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2016-2019 في ظل توقعات بإنخفاض الصادارات وزيادة الطلب على الواردات ولن تكون تحويلات المصريين بالخارج وإيرادات قطاع السياحة وإيرادات قناة السويس والاستثمارات المباشرة كافية لتعويض العجز في الميزان التجاري.

وبالرغم من أن الدعم المالي المقدم من بعض دول الخليج قد يوازن بشكل جزئي الضغوط الخارجية (ميزان المدفوعات) والمالية (عجز الموازنة) المتزايدة على لمصر ولكن التراجع الحاد في إيرادات النفط لدول الخليج يجعل هذا الدعم لمصر مشكوك في أستمراره مستقبلاً، في حين مازالت الهيئة المصرية العامة للبترول تستحق عليها متأخرات بقيمة 3 مليار دولار أمريكي لشركات نفط أجنبية وأية تأجيلات في دفع مستحقات تلك الشركات قد توقف الاستثمار الأجنبي في قطاعي النفط والغاز في ظل بقاء أسعار البترول العالمية على ذلك المستوى المنخفض.

كذلك فيما يتعلق بالآداء النقدى فإن قيمة الاحتياطى النقدى والتى وصلت إلى 17 مليار دولار،لازالت لا تستطيع تأمين احتياجات البلاد،كما أن جزءًا كبيرًا منها عبارة عن ودائع والتزامات خارجية،ومنها 1.8 مليار دولار تلتزم مصر بسدادها يوليو المقبل،وعليه فإن تلقى البنك المركزى ودائع اماراتية بقيمة مليارى دولار ، كما هو متوقع فى الفترة المقبلة، لن يدفع الاحتياطى النقدى للأمام ،لكن سيتم استغلال القيمة فى سداد المديونيات.

وإلى جانب ذلك عدم توفر النقد الأجنبى فى السوق بالشكل المناسب، واشتعال أسعار السوق السوداء.

كل ذلك يجعل من قيام وكالة ستاندارد أند بورز بتخفيض نظرتها للاقتصاد المصري من مستقر إلي سلبي ليست بمفاجأة، وذلك في ظل أن بيان الحكومة والموازنة العامة للعام المالي القادم 2016-2017 يزيدان من مشاكل وآلالام الاقتصاد المصري ولم يقدما أية حلول أو آليات حقيقية وتنفيذية لمواجهة التراجع الاقتصادي الحاد ومجابهة العجز المتفاقم للموازنة، وارتفاع الدين العام، ومواجهة عدم توافر الدولار ووقف نزيف الأحتياطي النقدي، وعدم قدرة الحكومة على إعادة هيكلة الموازنة العامة وتقليل الإنفاق بشكل مؤثر نظرا للنقص الحاد في الخدمات الأساسية، وعدم قدرتها على هيكلة الدعم والأجور وارتفاع تكلفة خدمة الدين.

والنقطة الأهم بأن نظرتنا للاقتصاد المصري ومؤشراته جاءت بناءً على التقرير والبيانات الرسمية المعلنة من وزارة المالية، ونجد أن وزارة المالية لم تفصح عن أداء الأقتصاد المصري خلال الشهور الماضية كما هو معتاد وأخر تقرير صادر عن وزارة المالية هو عن شهر مارس 2016 والذي يتناول بيانات ومؤشرات الأقتصاد المصري خلال العام المالي السابق وخلال النصف الأول من العام المالي الحالي وذكر فقط بعض البيانات عن الإيرادات والمصروفات حتى شهر فبراير 2016، ولم يفصح حتى عن نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام المالي الحالي.

ومن المتوقع أن تتبع وكالات التصنيف الائتماني الأخرى فيتش وموديز نفس إتجاه ستاندارد أند بورز في موعد المراجعة القادمة للتصنيف الائتماني لمصروالإتجاه للتخفيض سواء للنظرة المستقبلية أو للتقييم الائتماني، ويؤثر أي تخفيض للتصنيف الائتماني لمصر على جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية كما يؤدي إلي رفع الفائدة على القروض الخارجية والسندات الدولية مما يدفع لارتفاع تكلفة الدين العام في الموازنة العامة التي هي بالفعل حالياً في مستويات مرتفعة وغير مسبوقة وتمثل ثلت الأنفاق العام.

كما يؤدي تخفيض التصنيف الائتماني إلي صعوبة الحصول على القروض الخارجية أو قيام الجهات المانحة والمقرضين وضع شروط جديدة للحصول على تمويل، وبالتالي فإن إستراتيجية تمويل العجز بالموازنة العامة من خلال الدين خلال السنة المالية المقبلة (يوليو 2016- يونيو 2017) والمعلنة من وزارة المالية تتضمن إصدار لسندات يورو جديدة بقيمة 2 مليار دولار أمريكي، وقروض بقيمة 1.5 مليار دولار من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وبالتالي فإن أي تغيير في التصنيف الائتماني سيهدد أمال نجاح طرح سندات اليورو وسيؤدي إلي رفع الفائدة عليها كما سيؤدي لقيام البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية بمراجعة موقفها وقد تفرض شروط جديدة وتزيد أسعار الفائدة.

CNA– مقال ،، محمد رضا، مُحلل بسوق المال

[box type=”info” ]الكاتب يشغل منصب نائب رئيس مؤسسة شبه جزيرة سيناء للتنمية SFD؛ والمدير العام التنفيذي في مجموعة سوليدير الاستثمارية.[/box]

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش