مقال .. تعويم الجنيه والمراكز الدولارية المكشوفة

أحمد الألفى

ترتب على قرار تعويم الجنية المصرى بتاريخ 3-11- 2016، تراجعًا كبيرًا فى قيمته أمام العملات الاجنبية فى السوق المصرفية الرسمية التى أصبحت تتعامل فى العملات الاجنبية بيعًا و شراءًا بأسعار السوق السوداء قبل قرار التعويم ، و ترتب على ذلك  تضاعف أسعار العملات الاجنبية مقابل الجنيه المصرى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، إرتفع سعر الدولار رسمياّ من 8.88 جنيه الى 18 جنيه، أى بمعدل حوالى 100% أو أكثر قليلًا، وبطبيعة الحال لسنا بصدد مناقشة تبعات  قرار تعويم الجنيه المصرى على الاقتصاد بشكل عام ،  لكن ما يهمنا فى هذا السياق مناقشة تبعات القرار  تحديدًا على  كل من :-

1-  موقف الحسابات المؤقته أو التسهيلات المؤقتة بالعملات الأجنبية.

2- موقف مراكز البنوك المكشوفة مع مراسليها  بالخارج.

3- موقف عملاء البنوك المستوردين.

بالنسبة للحسابات المؤقتو أو  التسهيلات  المؤقته بالعملات الأجنبية ، يرجع تاريخ  فتح و نشأة الحسابات المؤقته أو التسهيلات المؤقته بالعملات الأجنبية فى البنوك لعملائها  المستوردين الى  بداية عام 2013، حيث لجأت البنوك العاملة فى مصر الى العمل بهذا النظام  للتغلب على مشكلة نقص موارد البلاد من العملات الأجنبية  اللازمة لتمويل الواردات.

فقامت معظم البنوك المصرية بإعادة تمويل العمليات الاستيرادية لعملائها، و ذلك  بسداد قيمة الاعتمادات المستندية للموردين بالخارج عند استحقاق اّجال دفع  هذه الاعتمادات المستندية  المفتوحة بدون غطاء خارجى لها لدى مراسليها  بكشف حساباتها لديهم بموجب تسهيلات و / أو ترتيبات مصرفية نشأت عنها مراكز مكشوفة للبنوك المصرية مع مراسليها بالخارج.

وبناءا على ذلك قامت البنوك المصرية  بإعادة خصم قيمة هذه المراكز المكشوفة على عملائها المستوردين بفتح حسابات تسهيلات مؤقته  بالعملات الأجنبية لهم بقيمة هذه المراكز المكشوفة، و ذلك لحين قيام البنك المركزى بتغطية هذه المراكز المكشوفة من اّن لاّخر من خلال العطاءات التى يطرحها لضخ عملات أجنبية للبنوك ، حيث كان يتم سداد و تصفية هذه المراكز المكشوفة و حسابات التسهيلات المؤقته أولًا بأول، و لكن تفجرت القضية فى أعقاب 3-11-2016 بعد تعويم الجنيه.

حيث ترتب على ذلك مضاعفة قيمة المعادل بالجنيه المصرى لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بعد إعادة تقييمها بأسعار العملات أجنبية بعد التعويم و التى تضاعفت أسعارها مقابل الجنيه المصرى ،  فضلاّ عن تراكمها خلال الفترة من شهر مارس و حتى 3 نوفمبر 2016، مما يعرض  البنوك لخسائر كبيرة فى حالة سداد عملائها لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بأسعار العملات الأجنبية وقت نشأتها بأسعار ما قبل التعويم ، كما يعرض العملاء لخسائر كبيرة فى حالة سدادهم  لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بأسعار العملات الأجنبية  بأسعار ما بعد التعويم.

أما بالنسبة لمراكز البنوك المكشوفة مع مراسليها  بالخارج ، فتمثل قيمة هذه المراكز إجمالى قيمة الاعتمادات المستندية التى قامت البنوك المصرية بفتحها دون توفر غطاءاّ خارجياّ لها بالعملات الاجنبية لسدادها عند تقديم مستندات الشحن الخاصىة بها مطابقة لشروط هذه الاعتمادات ، لأن الاعتماد  المستندي لا يترتب على  فتحه سداد قيمته فى تاريخ  فتح الاعتماد، بل يتم  سداد قيمته فى تاريخ لا حق أو تالى لتاريخ  فتح الاعتماد.

حيث يتم سداده بعد قيام المورد بشحن البضائع مشمول الاعتماد و تقديم مستندات الشحنمطابقة لشروط الاعتماد للبنك المراسل والذى يقوم بدوره بفحصها طبقاّ لشروط الاعتماد المستندى ،  فالاعتماد المستندى يمثل تعهد مصرفى مشروط بدفع قيمة الاعتماد مستقبلًا.

أما الواقعة المنشئة لدفع قيمة الاعتماد المستندى فهى تقديم مستندات الشحن مطابقة لشروط الاعتماد، ولجأت البنوك المصرية  لهذا الأسلوب  فى تمويل الواردات المصرية  تحت ضغط ندرة العملات الاجنبية الذى تفاقم  فى أعقاب سقوط الطائرة الروسية بسيناء و تراجع ايرادات القطاع السياحى المصرى، ولاضطلاع البنوك بمسئولياتها فى تمويل عمليات التجارة الدولية لكافة قطاعات الاقتصاد المصرى،و تخضع مراكز البنوك المكشوفة مع  مراسليها  بالخارج  لرقابة و اشراف البنك المركزى الذى وضع عدة ضوابط لهذه المراكز المكشوفة تقضى بأن لا تزيد قيمة هذه المراكز المكشوفة للبنوك عن 25% من إجمالى القاعدة الرأسمالية  للبنك الواحد بالنسبة للعملة الأجنبية الواحدة، وأن لا تزيد عن 25% من إجمالى المراكز المكشوفة لجميع العملات الأجنبية.

وتقدر نسبة هذه  المراكز المكشوفة  مع المراسلين بالخارج بحوالى 15% من إجمالي القواعد الرأسمالية للبنوك لتدبير طلبات العملاء المعلقة  بالعملات الأجنبية ، كما تقدر قيمة هذه المراكز المكشوفة بحوالى 1.5 مليار دولار، بينما يبلغ بلغ  صافى عجز الأصول  بالعملات  الأجنبية لدى البنوك  بخلاف  البنك المركزى بحوالى  4.8 مليار دولار.

وتخضع هذه المراكز لآليات إدارة المخاطر الحديثة وفقًا لمعايير مقررات لجنة بازل للاشراف و الرقابة المصرفية المعروفة بإسم بازل 2 و 3، فضلاّ عن عدم تجاوزها  للتعليمات الرقابية المنظمة لها و المشار اليها بعاليه ، ولا تمثل قيمة و نسبة كل من هذه المراكز المكشوفة وصافى عجز الأصول بالعملات الأجنبية خطراّ كبيراّ على الجهاز المصرفى المصرى ، لأنها ليست رقمًا كبيرًا كنسبة مئوية من إجمالى حجم أصول الجهاز المصرفى المصرى الكبير.

أما بالنسبة لعملاء البنوك المستوردين المفتوحة هذه التسهيلات  المؤقته بالعملات الأجنبية لهم ، بداية يتطلب فتح أى إعتماد مستندى للإستيراد من الخارج  توفر غطاءاّ ماليا محليا وغطاءا ماليا خارجيا ، فالغطاء المحلى للإعتماد عادة ما يقوم المستورد بسداده بالعملة المحلية لبنكه المحلى الذى يتولى تدبير الغطاء الخارجى لقيمة الاعتماد المستندى بالعملة الأجنبية  و يودع  بحساباته بالخارج  لدى بنوكه المراسلة ، هذا هو الوضع الطبيعى و المعتاد لاّليات تمويل التجارة الدولية عبر البنوك.

حيث يكون لكل من المستورد بنك ( البنك المحلى  ) و للمصدر بنك ( البنك الخارجى )، و لكن فى ظل أزمة و ندرة العملات الاجنبية ، فقد أصبح المستورد مطالباّ بتوفير الغطائين المحلى و الأجنبى معاّ فى ظل ما يعرف بأزمة الحسابات الحسابات المؤقته بالعملات الأجنبية المثارة حالياّ و المطروحة للمناقشة و الحوار.

ويتعين على العميل المستورد طالب فتح الاعتماد المستندى تغطية المعادل لقيمة الاعتماد بالجنية المصرى بنسبة 110% على أساس سعر الصرف الرسمى السارى و قت فتح الاعتماد المستندى و قبل فتح الاعتماد ، و تمثل نسبة ال 10% الزائدة عن قيمة الاعتماد هامشاّ تحوطياّ لمقابلة خطر زيادة سعر الصرف خلال الفترة من تاريخ فتح الاعتماد و تاريخ سداد قيمته للمورد الأجنبى بالخارج عن طريق مراسل البنك المحلى بالخارج ، و ذلك فى إطار عملية إدارة مخاطر تقلب أسعار الصرف.

وفى ظل أزمة العملات الأجنبية، قامت معظم البنوك المصرية بإعادة تمويل العمليات الاستيرادية لعملائها،  بسداد قيمة الاعتمادات المستندية للموردين بالخارج بكشف حساباتها لديهم بموجب تسهيلات و / أو ترتيبات مصرفية نشأت عنها مراكز مكشوفة للبنوك المصرية مع مراسليها بالخارج ، وبناءا على ذلك قامت البنوك المصرية بفتح حسابات تسهيلات مؤقته بالعملات الأجنبية لعملائها المستوردين بقيمة هذه المراكز المكشوفة، و ذلك لحين قيام البنك المركزى بتغطية هذه المراكز المكشوفة من آن لآخر من خلال العطاءات التى يطرحها لضخ عملات أجنبية للبنوك.

وكان يتم سداد و تصفية هذه المراكز المكشوفة و حسابات التسهيلات المؤقته أولا بأول، ولكن تفجرت القضية فى أعقاب 3-11-2016 بعد تعويم الجنيه، حيث ترتب على ذلك مضاعفة قيمة المعادل بالجنية المصرى لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بعد إعادة تقييمها بأسعار العملات أجنبية بعد التعويم و التى تضاعفت أسعارها مقابل الجنيه المصرى ،  فضلاّ عن تراكمها خلال الفترة من شهر مارس و حتى 3 نوفمبر 2016 ، مما يعرض  البنوك لخسائر كبيرة فى حالة سداد عملائها لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بأسعار العملات الأجنبية وقت نشأتها بأسعار ما قبل التعويم ، كما يعرض العملاء لخسائر كبيرة فى حالة سدادهم  لأرصدة هذه الحسابات المؤقته بأسعار العملات الأجنبية  بأسعار ما بعد التعويم.

إذن ، فالنظرة الموضوعية للقضية  تمس الاقتصاد القومى برمته ، ولا يجب أن  تسفر عن  طرف خاسر و اّخر رابح ، بمعنى  عدم تحمل البنوك بمفردها لهذه الخسائر ، وعدم تحمل العملاء بمفردهم لهذه الخسائر ، لأنها ستؤدى الى إشهار افلاس هؤلاء العملاء و ظهور موجة جديدة من التعثر فى السداد  – من الممكن تجنبها – لأن الفرق  بين أسعار العملات الاجنبية بعد و قبل تعويم الجنية كبير جداّ و بنسبة تجاوز 100% .

ونأمل سرعة إيجاد حلا جذريا لهذه المشكلة بعيدا أروقة المحاكم   بدرجات  التقاضى المختلفة ، وبطبيعة الحال لن يترك البنك المركزى أزمة الحسابات المؤقته  بالعملات الأجنبية و مراكز البنوك المكشوفة دون تدخل حاسم.

وتعكف البنوك حاليا على دراسة أوضاع هذه الحسابات المؤقته و المراكز المكشوفة  لوضع حلول لها، و من الحلول المطروحة للنقاش والدراسة لحل هذه الأزمة ، الحلول التالية :-

1- ضخ البنك المركزى لعطاء استثنائى بالعملات الأجنبية لتغطية المراكز المكشوفة للبنوك مع مراسليها بالخارج.

2- تعويض البنوك عن خسائرها فى أسعار الصرف الناتجة عن التعويم ، مع عدم تحمل العملاء لهذه الفروق.

ولكن ثمة اقتراحا مختلفا يطرح نفسه، ويكمن فى المعالجة المحاسبية  لقيمة فروق اعادة تقييم أرصدة الحسابات المؤقته بأسعار ما بعد تعويم الجنية و تأثيرها على ربحية البنوك ، وذلك بالمعالجة المحاسبية التالية :-

1- إضافة الفروق الناشئة عن  إعادة تقييم أرصدة الحسابات المؤقته بأسعار ما بعد تعويم الجنية  الى أرباح البنوك ، ( كأرباح إعادة تقييم ).

2- خصم  نفس قيمة هذه الفروق من أرباح البنوك  -عند تغطية هذه المراكز المكشوفة ( كخسائر إعادة تقييم ).

وجوهر هذه المعالجة المحاسبية يعتمد على إعتبار فروق إعادة تقييم أرصدة الحسابات المؤقته أرباح، و الواقعة المنشئة لتحقق هذه الارباح هى قرار تعويم الجنية المصرى، وتوقيت تحقق هذه الأرباح فى  3-11-2016 ( تاريخ  التعويم )، وإعتبار فروق إعادة تقييم أرصدة الحسابات المؤقته خسائر، و الواقعة المنشئة  لتحقق هذه الخسائر هى تغطية هذه الحسابات المؤقته بأسعار ما بعد التعويم، و توقيت تحقق هذه الخسائر هو تاريخ  التدبير و التغطية الفعلية لهذه الحسابات بالعملة الأحنبية ، فقيمة الأرباح الناشئة عن إعادة  تقييم  أرصدة هذه  الحسابات المؤقته  تتساوى مع قيمة الخسائر الناشئة تدبير العملات الأجنبية لتغطية هذه الحسابات المؤقته.

وبهذه المعالجة المحاسبية لن يتكبد  أى من البنوك و لا العملاء لأية خسائر، و لن تتأثر هوامش الربحية  بالبنوك ، و لا هوامش ربحية العملاء المستوردين المتضررين من فتح  هذه الحسابات المؤقته بالعملات الاجنبية لهم ، بالرغم من قيامهم بسداد 110% من قيمة الاعتمادات المستندية مقدماّ قبل فتح هذه الاعتمادات المستندية.

CNA– مقال بقلم ،، أحمد الألفى، خبير مصرفى ومدير بأحد البنوك

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش