مقال .. سوف أتحمل باعتزاز كراهية الدائنين

ALALFY
أحمد الألفى

أعلنها وزير المالية اليوناني، يانيس فاروفاكيس، عقب تقديم استقالته  رسميا غداة رفض اليونانيين، بغالبية كبرى، خطة الدائنين في الاستفتاء، وأعلن فاروفاكيس على مدونته الإلكترونية أنه بعد إعلان نتائج الاستفتاء قد تيقن من أن بعض أعضاء مجموعة  والترويكا(صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوربي والاتحاد الاوربي) يفضلون غيابه عن الاجتماعات، وهي فكرة  رئيس الوزراء، أليكسيس تسيبراس، و أنها قد تكون مفيدة من أجل التوصل إلى اتفاق.. ولهذا السبب أغادر وزارة المالية  داعيا إلى  اتفاق يتضمن إعادة جدولة الدين وتخفيف  حده التقشف  لصالح  الفئات الأكثر فقراً . فلم يتمسك بمنصبه بل ضحى به من أجل مصالح بلاده العليا , فلم يتحمل الدائنون الدوليون مجرد رؤيته مرة أخرى و جها لوجه على مائدة المفاوضات بعد أن أدار ملف ديون بلاده باقتدار لتفلت من مخالب الدائنين الدوليين.

وكان رئيس الوزراء، أليكسيس تسيبراس قد دعا  الشعب اليونانى الى التصويت على مقترحات الدائنين لليونان بشأن إجراءات تقشف جديدة  وفي الاستفتاء صوت الشعب اليونانى بنسبة 61.31%  ضد إجراءات تقشف  مقابل 38.69% لمؤيدى إجراءات تقشف  و بنسبة مشاركة  قياسية في الاستفتاء بلغت  62.5% من جملة المجتمع الانتخابى اليونانى.

و لقد مارست الترويكا ضغوط قاسية على الحكومة اليونانية لترضخ لخطة تقشف أكثر صرامة من الخطة السابقة و التى وضعت اليونان بموجبها تحت الوصاية المالية الدولية للدائنين التى ترى اليونان انهم يريدون اذلالها , ولكن المهارة السياسية الكبيرة للحكومة اليونانية  وضعت الدائنين الدوليين لليونان فى مأزق باحالة الموضوع للاستفتاء الشعبى وتحول الموقف اليونانى من موقف  المدين  الضعيف الذى تكالب عليه الدائنون الى موقف المدين القوى الذى يسترضيه الدائنون ليحصلوا على اموالهم منه بالتسوية الودية.

ولقد تغيرت لهجة التهديد و الوعيد و التعالى من مجموعة  الترويكا عقب نتيجة الاستفتاء الشعبى برفض شروط الدائنين , فمديرة الصندوق كريستان لاجارد أصدرت بيانًا قالت فيه ما زلت أعتقد أن هناك حاجة إلى نهج متوازن للمساعدة في استعادة الاستقرار الاقتصادي والنمو في اليونان، مع إصلاحات هيكلية ومالية ملائمة تدعمها تدابير التمويل والقدرة على تحمل الديون المناسبة , كما دعا الرئيس الفرنسي  لإيجاد حل طويل الأجل للأزمة اليونانية  التى سيكون لها تداعياتها السلبية الكبيرة اقتصاديًا واجتماعيًا في البلاد، كما ستلقي بظلالها على باقي اقتصادات منطقة اليورو ومن المحتمل ان تتطور  لتصبح أزمة مالية عالمية اذا علمنا تراجع قيمة اليورو امام العملات الرئيسية  فى اعقاب الاعلان عن نتيجة الاستفتاء التى جاءت بمثابة لطمة قوية لدائنى اليونان من حهة , ومن جهة اخرى عبرت عن نبض الجماهير التى تكتوى بنار الديون التى أبرمتها و بددتها الحكومات و تدفع عبء خدمتها الشعوب.

وكانت الحكومة اليونانية أصدرت، ، قراراً يقضي بفرض قيود على حركة  على حركة السحب من البنوك، وحركة الأموال للخارج  مع إغلاق البنوك بعدما جمد البنك المركزي الأوروبي دعماً مالياً هاماً عقب انهيار محادثات الإنقاذ بين أثينا ودائنيها الدوليين حيث حدد البنك المركزى اليونانى  مبلغ 60 يورو سقف  يومى للسحب النقدى من البنوك لكل فردعقب توقف اليونان عن سداد قسط بمبلغ 1.6 مليار يورو لصندوق النقد مستحق بنهاية يونيو 2015. و هكذا تحولت الازمة المالية اليونانية الى أزمة سيولة  نقدية طاحنة تكاد تعصف بالجهاز المصرفى اليونانى بسبب تعسف الدائنين الدوليين وخنق اليونان ماليا

و  تتلخص  المهارة السياسية  لتسيبراس فى ادراكه  العميق  أن  الانفصال عن أوروبا، أمر غير وارد  لإن العضوية في منطقة اليورو لا رجوع فيها  حيث لا توجد آلية قانونية لطرد أى دولة من  كتلة اليورو لان مجرد طرد اليونان منها سوف يفتح الباب لخروج دول اخرى منها تحت وطاة الديون , مثل اليرتغال و ايرلندا و اسبانيا و ايطاليا التى تعانى من ازمة ديون سيادية كبيرة بسبب تفاثم الدين العام و تجاوزه الناتج القومى, فى حين ان اتفاقية ماستريخت التى اوجدت الاتحاد الاوربى وضعت سقفا للدين العام لاى دولة فى الاتحاد الاوريى لا يتجاوز 60% من الناتج القومى , وكانت ازمة الديون السيادية فى منطقة اليورو قد تفجرت متزامنة مع الازمة المالية العالمية طبعة 2008 و عرفت فى الصحافة الاقتصادية العالمية بأسم خنازير كتلة اليورو او ال   4pigs  وهى اختصار للاحرف الاربعة الاولى باللغة الانجليزية ( PORTUGAL- IRELAND – GREECE – SPAIN ) للدول الاربعة المثقلة بالديون السيادية.

ولم تفلح خطط الانقاذ المالية الاوربية فى اقالة هذه الدول المتعثرة من كبوتها. لذلك لعبت اليونان بهذا الكارت جيدا و أحالت ملف الديون الى الاستفتاء الشعبى و أستغلت  تعسف و غباء و تعالى كبار ساسة مجموعة الترويكا على اليونان و قلنتهم درسا  تاريخيا فى أصول علاح الديون السيادية.

وترجع أسباب فشل خطط الانقاذ المالية الاوربية فى انقاذ دول كتلة اليورو المتعثرة أو الايلة للسقوط الى :-

1- اعتماد هذه الخطط على مدخل علاج الديون بالديون , وهو مدخل فاشل لانه يفوق الطاقة الاقتراضية للمدين و أدى الى تفاقم الديون بشكل اكثر حده و من ثم التوقف  الكامل عن السداد

2- اعتماد هذه الخطط على مدخل علاج فى الاجل القصير فقط دون الاجل الطويل حيث يتطلب علاج الانهيارات المالية الكبرى اجلا طويلا يرتبط  مداه  الزمنى  طرديا بمدى تفاقم المديونية

3- اعتماد هذه الخطط على مدخل العلاج التقشفى الصارم مما أدى الى تراجع  ممعدلات الانفاق و الاستثمار العام فيها ومن ثم الى تراجع معدلات النمو الاقتصادى و ارتفاع معدلات البطالة

و تزايد حدة المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية.

وينذر هذا المدخل الفاشل بانهيار كتلة اليورو برمتها اذا علمنا ان معظم الدول الاعضاء فها تعانى من مشكلات مالية كبيرة باستثناء المانيا الاقتصاد الاكثر قوة و نفوذا داخل كتلة اليورو, ومن جهة اخرى لا تعانى الدول الغير منضمة الى كتلة اليورو كانجلترا و سويسرا  و النرويج  و ايسلاندا على سبيل المثال من مشكلات دول كتلة اليورو و لاسيما ثقل الدين العام و ارتفاع معدلات البطالة و التضخم.

و يبلغ الدين اليوناني  العام  250 مليار يورو (267 مليار دولار) بنسبة 170% من الناتج القومى اليونانى و لا سبيل امام الدائنين الا إعادة جدولة الدين اليوناني على مدة سداد طويلة الاجل مع منح فترة سماح مناسبة و تجميد هذا الدين او التنازل عن جزء من المديونية مع التخلى عن سياسات القمع و الانكماش المالى التى تنتهجها مجموعة الترويكا , لان  الاقتصاد اليونانى يحتاج الى ضخ استثمارات اوربية كبيرة لرفع معدل النمو الاقتصادى بالدرجة التى تسمح للاقتصاد اليونانى ليكون أكثر قدرة على خدمة ديونه و ليس فى احتياج الى سياسات انكماشية جديدة.

وغنى عن البيان ان الوحدة النقدية لاتحاد قوامه 30 دولة مع تعدد  و اختلاف السياسات النقدية و المالية لدول الاتحاد قد  أفقد البنك المركزى الاوربى السيطرة على دول كتلة اليورو و بات يمتلك سلطة الاصدار النقدى فقط دون غيرها لانه غير قادر على انتهاج سياسة نقدية موحدة لجميع دول الكتلة التى تضطلع البنوك المركزية قيها بمسئولية صناعة السياسة النقدية فيها لذلك ستطفو على السطح كل عدة سنوات يونان اخرى داخل الكتله الاوربية التى تشبه الى حد كبير الشركات العامة القابضة فى مصر , حيث تهيمن الشركة القابضة فيها على 20 شركة تابعة 5 شركات  رابحة و ال15 شركة الاخرى خاسرة او ضعيفة الربحية وتقوم الشركات الرابحة بدعم الخاسرة و دفع مرتبات العاملين فيها!!!

ونهدى هذا المثال الى تركيا التى تلهث للدخول فى نعيم الاتحاد الاوربى  الذى  بات جحيما لبعض الشعوب الاوربية

فالوحدة النقدية و الاقتصادية الناجحة  مثل الزواج تقوم على التكافؤ و الندية فى المقام الاول و لا يمكن أن تستمر الى الابد بين اقتصادات غير متكافئة ماليا و لا هيكليا.

والدرس المستفاد من الازمة اليونانية يكمن فى عدم الافراط فى الاستدانة من الخارج و خصوصا لتمويل الاستهلاك و الاتجاه الى البدائل  الحديثة الاكثر أمانا و انتاجية من القروض  التقليدية  ألا وهى اليات المشاركة  التمويلية مثل ال( biuld , own , operate & trnsefer ( ppp ) public private participation ( boot الاستثمارات المشتركة joint venture.

ونشير الى الدين العام اليابانى الذى تجاوز حاجز ال 200% من الناتج القومى لكنه  بالكامل  دين محلى و لا يوجد ين واحد لدائن اجنبى , فضلا عن انفاق حصيلة الدين العام فى استثمارات بنية أساسية و فى رفع كفاءة المصانع , بالاضافة الى تدعيم هذا الدين العام الكبير بالمقاييس الاقتصادية المتعارف عليها بميزان تجارى قوى.

 

ولعل هذا الدرس يكون نافعا لنا لنتخلى عن سياستنا المالية المنفلتة و التى وصلت بالدين العام الى 2 تريليون جنية و بما يقارب الناتج القومى المصرى بالكامل

واخيرا فاذا كانت الحكومات تفلس فان الشعوب لا يشهر افلاسها الشعوب برغم أن  هى التى تكتوى بنار الدين العام وبهمه و بمذلته.

و اذا كان الدين هم بالليل و مذلة بالنهار , فان  وعى  الشعوب المدينة هو الفجر المشرق لغروب صلف الدائنين و تسلطهم.

CNA– مقال بقلم ،، أحمد الألفى ، الخبير المصرفى المصرى

موضوعات ذات صلة
أخبار كاش